ثقافات

عبد الغني سلامة
حجم الخط

في أميركا، إذا تعرض الطفل لتوبيخ من والديه، بوسعه أن يتصل بالشرطة، فتأتي بصحبة موظف من الشؤون الاجتماعية وتأخذه من عائلته، وإذا اكتشفت المدرسة آثار ضرب على جسد تلميذ، تقوم بالاتصال بالجهات المختصة، التي بوسعها أيضا أخذه من عائلته.. وفي المجتمعات الغربية عموما إذا بلغ الشاب أو الفتاة سن الثامنة عشرة بوسعه/ها أن يستقل عن العائلة، فإذا أراد/ت السفر، أو اتخاذ أي قرار مصيري فليس بوسع العائلة إلا تقديم النصيحة.. وأيضا في هذا العمر بإمكان الشاب أو الفتاة إقامة العلاقات الجنسية دون أية سيطرة من قبل الأهل.. وهذه الأمور أكثر ما يقلق الجاليات العربية هناك، التي تخشى فقدان سيطرتها على الأبناء.
وهناك أيضا، من الشائع وجود ما يسمى الأم العزباء، أو الأطفال الذين ينشؤون مع أمهم أو أبيهم دون أن يكونا متزوجين.. وأيضا، من العادي جدا أن يزور الأب ابنه في مدينة ثانية فيعتذر الابن عن استقباله، لأنه أتى دون موعد، أو لأنه مشغول ذلك المساء.. أو أن يلتقي شخص مع ابن عمه وبالكاد يتصافحان، دون أن يدعوه إلى الغداء.. أو أن يعيش جاران في شقتين متجاورين عشرات السنين ولا يعرفان بعضهما، ولا يتبادلان الزيارات.. أو أن يكون الصديق الوحيد للشخص كلب أو قطة.. أو أن يتوفى شخص ولا يحضر جنازته سوى خمسة أشخاص.. ومن الطبيعي أيضا وجود المثليين جنسيا، الذين باتوا يمارسون حياتهم ويتزوجون من بعضهم بحماية القانون.
وهناك أيضا، تكثر جرائم التحرش الجنسي، والسرقات، والقتل، والمخدرات، والانتحار، وترتفع نسب الطلاق، والمشاكل العائلية، والتفكك الأسري، ونسمع بين الفينة والأخرى عن جرائم بشعة ومروعة، وحالات سفاح قربى.. وهناك أيضا عالم سفلي، ومشردون بلا مأوى، وعصابات مسلحة، ومافيات، واتجار بالبشر، ودعارة، ومجموعات عنصرية، وأحزاب متطرفة.
الكثير من المظاهر التي أشرنا إليها سلبية، وتلحق أبلغ الضر بالفرد والمجتمع.. وهي الجانب الآخر من الحياة الاجتماعية الغربية.. ويمكن لأي منا أن يصدر حكما عليها بأنها مجتمعات مفككة وضائعة، وغير إنسانية... ولست هنا لأؤيد أو أرفض تلك التقاليد والمفاهيم، فهذا موضوع آخر، ما يعنينا هنا أن نفس هذه الممارسات موجودة في مجتمعاتنا، ولكن بطريقة مختلفة.
في المجتمعات العربية والإسلامية كثيرا ما نسمع عن حالات ضرب وتعذيب لأطفال من قبل ذويهم، تفضي أحيانا للوفاة.. وآخرها أب سعودي قتل طفلته بعد أن أوسعها ضربا مبرحا لأنها قالت له: لا أحبك، وحُكم عليه بالسجن 8 سنوات.. وفي دول مثل باكستان وأفغانستان تنتشر حالات قتل واغتصاب وتعذيب للنساء بطريقة وحشية.. وهناك المرأة عبارة عن زائدة دودية يستحسن التخلص منها، تُباع وتشترى وتُعامل دون حساب لآدميتها.. في جنوب العراق قبل سنتين قامت قبيلة بإهداء خمسين امرأة لقبيلة ثانية عربونا للصلح بينهما.
في أغلب الدول العربية لا يوجد قانون يحمي الأطفال، وبإمكان الأب أن يضرب زوجته وأبناءه (لتأديبهم) وحتى لو تعسف وبالغ في ذلك، فإن أقصى ما يستنكره المجتمع عبارة «الله لا يوفقه شو حيوان».. وفي مجتمعاتنا يظل الابن في وصاية والديه وتحت سيطرتهما وتحكمهما حتى لو بلغ الخمسين..، والجنس مهيمن على تفكير الفرد مثل المجتمعات الغربية تماما، ولكن كل شيء يتم بطريقة سرية وملتوية.
في بلاد الغرب قد تنجب الفتاة دون زواج، ولكنها لن تواجه أي انتقاد من المجتمع، ومع أن الطفل سيُحرم من حقه الطبيعي بحياة أسرية، ومن حنان الأب؛ إلا أنه سيحظى بحياة كاملة، وقد يصبح رئيس دولة.. في مجتمعاتنا إذا حملت الفتاة دون زواج، فإنها ستضع مولودها على باب الجامع، أو ستلقيه في حاوية، خوفا من الفضيحة، وخشية على حياتها؛ لأن أهلها حتما سيقتلونها.. طبعا لا أدعو هنا لتقبّل الحمل غير الشرعي، ولكن هي مقارنة بين تصرف المجتمعين لنفس الحالة.
في مجتمعاتنا نضيّع آلاف ساعات العمل على المناسبات الاجتماعية، ونهدر نسبة كبيرة من موازنة الأسرة في المجاملات، مع مبالغات لا لزوم لها.. وقد يخرج الآلاف في جنازة شخص ما، ولكن بقصد الإسراع بالتخلص منه، وبسبب تداخل حياة الناس ببعضها تكثر الاحتكاكات والمشاكل الاجتماعية، والفضول والتدخل في خصوصيات الغير.. مع أن الحياة المدنية هذبت إلى حد ما تلك الممارسات، إلا أنها ما زالت موجودة.
في مجتمعاتنا، لا حقوق للإنسان، ولا للحيوان، ومن العادي جدا أن تشاهد شخصا وهو يضرب حمارا بكل قسوة، أو يعذب حيوانا للتسلية، ولا يوجد قانون يعاقبه على ذلك.. ومن تقاليدنا العجيبة إذا رأى طفل قطة أو كلبا أن يضربه بحجر، وإذا شاهدنا أي حيوان غريب فمن الواجب قتله!!
في المجتمعات العربية والإسلامية، عدد لا حصر له من الوعاظ والخطباء والمشايخ والأحزاب الدينية من أكثرها تساهلا إلى أشدها تطرفا، وتراث فقهي ممتد ومترسخ... ومع ذلك، تخشى الفتيات من التجول في أغلب الشوارع خشية تعرضهن للتحرش الجنسي، .. وفي القانون يُعاقَب المتحرش الذي اغتصب فتاة حتى لو كانت قاصرا بالزواج منها!! وقد تبرئ المحكمة المتحرشين، وتدين الضحية لأن ملابسها فتنت الشباب!!.
في المجتمعات العربية أيضا هناك سرقات، وقتل، ومخدرات، وانتحار، ونسب طلاق مرتفعة، ومشاكل عائلية، وتفكك أسري، ونسمع بين الفينة والأخرى عن جرائم بشعة ومروعة، وحالات سفاح قربى.. وهناك أيضا مشردون ومتسولون، وعصابات، واتجار بالبشر، ودعارة، وممارسات عنصرية، وأحزاب متطرفة.. ويُضاف إليها حروب أهلية وتفجيرات عشوائية ومفخخات، واقتتال على أسس طائفية، وأنظمة مستبدة تقصف شعوبها وتقتلهم بدم بارد.
لكل مجتمع عاداته وثقافاته وقيمه الخاصة، ومن الخطأ إجراء المقارنات بقصد المحاكمة.
ولكل مجتمع سلبياته وإيجابياته، وكما ذكرنا أغلب سلبيات المجتمعات الغربية؛ من الأمانة أن نتذكر إنجازاتها على كافة الصعد الإنسانية.. وكما ذكرنا سلبيات مجتمعاتنا، من الأمانة تذكر إيجابياتنا، وهي كثيرة.
المهم أن نرى أخطاءنا بوضوح، وأن نعترف بها، فهذا بداية التغيير، وشرطه.