بعد أقل من دقيقة من انتهاء حديثنا (للنشر، ليس للاقتباس) وأخذ دفتري الصغير في جيبي، قال لي العميد ايتان فيروب: «ما يقلقني أكثر من أي شيء هو الأنفاق التي تحفرها حماس من تحت أقدامنا».
فيروب، رجل وقائد مثير للانطباع، كان يوشك في حينه على أن يعين قائدا لفرقة غزة، إحدى الوظائف الاكثر تحديا والاكثر احتراما في الجيش الاسرائيلي.
تسلم فيروب مهام منصبه بعد نحو اسبوع من الاعلان عن وقف النار في حملة «الجرف الصامد».
ومنذئذ تمكن من التعرف إلى أنفاق «حماس» بفروعها. يمكن الافتراض بأن هذه الانفاق، التي لا يزال يدور الجدال حول اذا ما كانت انكشفت لاول مرة في ايام الحملة ام علمنا بوجودها قبلها، تحفر في هذه الايام والليالي ايضا.
الدرس الذي تعلمناه أو الذي كان يتعين علينا أن نتعلمه هو أن «حماس» منظمة تتعلم.
رجالها تعلموا الدروس من الحملات السابقة، وقرروا أن يفاجئونا بالقتال في بعد غير عادي، الانتصار عليه صعب بل يكاد يكون متعذراً.
ولكن الأنفاق هي فقط جزء من قصة الحملة التي نحيي هذه الأيام ذكرى سنتين على اندلاعها.
القصة «الكبيرة» هي موقف المجتمع الاسرائيلي من الحروب، فقد عودنا السياسيون وقادة الجيش على مدى السنين على انتصارات جارفة، حتى اذا ما وعندما كانت الصورة على الارض مختلفة قليلا، ونحن صفقنا وهتفنا من المدرجات «نريد المزيد».
الانتصار الاكبر لحرب «الايام الستة» ترك أثرا نهائيا على الجيش الاسرائيلي كجيش لا يعرف الا الانتصار. اما حرب «يوم الغفران» الفظيعة فرأيناها كخلل.
عندنا، اذا لم ننتصر حتى النهاية، نعتبر الحرب حملة. أما اذا انتصرنا، فالصورة تختلف. وهكذا نتحرك في العقود الاخيرة من حملة إلى حملة: الحساب، عناقيد الغضب، السور الواقي، الرصاص المصبوب، عمود السحاب والجرف الصامد (وفي جرف الأزمنة يحتمل أن أكون نسيت حملة أو اثنتين) – ولشدة الأسف سيكون المزيد.
إن خيبة الامل من نهاية حملة «الجرف الصامد» عندما انتهت تنبع من سبب واحد ووحيد: الشعب في اسرائيل يريد انتصارا مطلقا، لا لبس فيه، نهائيا.
وهاكم بالضبط الانباء السيئة: أغلب الظن لن تكون بعد اليوم حروب من هذا النوع. فلم يعد منذ الان على الرف حرب تنهي كل الحروب (الا اذا كانت هذه حربا نووية).
وعليه، فلم يكن لنا ايضا أمل في أن ننتصر في حملة «الجرف الصامد» التي استهدفت منذ البداية ضرب «حماس» وليس هزيمتها.
لقد فعل الجيش الاسرائيلي أفضل ما يمكنه في هذه الظروف. فلو أمرت القيادة السياسية الجيش بأن يحتل قطاع غزة، مرة اخرى، لكان ممكنا الافتراض بيقين بأنه كان سينجح في عمل ذلك (وكان الثمن عددا أعلى بكثير من الضحايا لدينا).
ولكن عندها كنا سنجلس اليوم، في ختام سنتين على الحملة، ونسأل ماذا نفعل هنا، ولماذا فجأة نحن مسؤولون عن مجاري غزة وعن اطعام السكان في بيت حانون، في بيت لاهيا، جباليا، دير البلح، خان يونس ورفح.
وكم يكلفنا هذا من الدماء، وكيف عدنا الى المكان الذي فعلنا كل شيء كي نتخلص منه، بما في ذلك اقتلاع بلدات وشرخ داخلي لم ننتعش منه بعد.
إن الدرس الذي تعلمناه أو يجب علينا أن نتعلمه هو أنه لن تكون بعد اليوم حروب انتصار نهائي ونحن محكومون لسنوات طويلة بحملات ضد منظمات «الإرهاب».
هذا النوع من الحرب ننتصر فيها قبل وقت طويل من بدئها. ننتصر بالاستعدادات.
بالمناسبة، ايتي فيروب، اليوم رئيس قيادة الذراع البرية، لم يعد يحتاج إلى القلق من الأنفاق. أفيغدور ليبرمان يفعل هذا بدلا منه.