انهيار نظام سايكس - بيكو القديم وتفكك الجمهوريات العربية في المنطقة يفرضان على إسرائيل تحديد تفاعلها مع الأحداث الإقليمية انطلاقاً من نظرة تتطلع نحو المستقبل.
بالنسبة للدولتين غير العربيتين الأساسيتين في المنطقة - إيران وتركيا - فإن المستقبل المنظور لا يعد بأشياء عظيمة. ليست هناك حاجة لإطالة الحديث عن إيران التي هي منذ الثورة الإسلامية، ومن دون شك، العدو الأخطر والأبرز لإسرائيل في المنطقة، بالتأكيد إذا استمر نظام آيات الله في الحكم. أما تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان فمن غير المتوقع أن تغير توجهها الأساسي المعادي لإسرائيل على الرغم من الاتفاق الموقع في نهاية حزيران، فأردوغان معني بقيادة المعسكر السني بروحية إسلامية، وهو يشجع حلفاءه الإسلاميين الراديكاليين (مثل «حماس» و»جبهة النصرة») ويلعب لعبة مزدوجة حيال «داعش».
المعسكر السني في المنطقة ضعيف، والموضوع الفلسطيني عقبة في وجه تحسين شبكة علاقات إسرائيل مع الأنظمة السنية. ولكن بغض النظر عن ذلك، وبحكم طبيعة الأمور، فإن هذه العلاقات ومهما كانت أهميتها، محدودة الضمانة. في مقابل ذلك، الشعب الكردي (الذي يبلغ تعداده ما بين 30 و35 مليون شخص) ليست لديه دولة، ولكنه حليف لإسرائيل من وجهة نظر استراتيجية بعيدة المدى.
منذ أيام عقيدة بن غوريون بشأن «تحالف الأطراف»، نشأت علاقات حميمة ووثيقة أحياناً مع الشعب الكردي من وراء الكواليس، لكن حان الوقت لتغيير ذلك.
حتى في واشنطن وموسكو بدؤوا يدركون أهمية الأكراد في الشرق الأوسط من أكثر من ناحية: كسدّ في وجه طوفان الإسلاميين؛ كقوة مقاتلة ومدربة قادرة على مواجهة «داعش» والوحيدة التي استطاعت دائماً التغلب على هذا التنظيم؛ كقوة صاعدة في الشرق الأوسط المتغير حيث بات تفكك دول عربية مثل سورية والعراق أمراً واقعاً.
من وجهة نظر إسرائيلية يشكل الأكراد قوة معتدلة لم تتبنّ يوماً نظرة أو خطاباً معادياً لإسرائيل، بل ترى فيها مصدر إلهام لما يمكن أن يكون عليه مستقبل كردستان، والتحالف مع الأكراد هو تحالف طبيعي بين أقليات غير عربية في المنطقة.
لقد ضعفت قدرة الدول العربية على معارضة الاستقلال الكردي كثيراً مع تفككها.
بقيت تركيا الدولة المعارضة الأساسية وكذلك إيران، لكن هذه الأخيرة تشكل سبباً اضافياً لدعم الأكراد. على أرض الواقع استطاع الأكراد فرض وقائع، فقد سيطروا في سورية على منطقة واسعة في شمال الدولة أطلقوا عليها اسم «غرب كردستان»، وأعلنوها منطقة مستقلة ذاتياً.
يقف «داعش» في مواجهتهم في موقع دفاعي، ويأمل الأكراد أن تؤدي محادثات جنيف إلى تطبيق الفيدرالية في سورية، حيث سيجري ضمان مكانة حكمهم الذاتي. وحتى في العراق ما بعد سقوط صدام حسين، استغل الأكراد الوضع في شمال البلاد الذي يسمونه باصور (جنوب كردستان)، لتأسيس نظام حكم ذاتي رسمي - «الإدارة الكردية الإقليمية»، وهم يسيطرون كذلك على حقول نفط أساسية ويقيمون علاقات متشعبة سواء مع تركيا والسعودية أو مع أوروبا والولايات المتحدة.
وفي هذه الأيام تجري في العراق مناقشة الاستفتاء بشأن الانفصال الذي ينوي الأكراد إجراءه قبل نهاية سنة 2016. وفي تركيا يشكل الأكراد نحو 20% من مجموع السكان، وهم الأغلبية الساحقة من سكان شرقي الدولة. لقد كانت السيطرة الكردية على هذه المنطقة أحد الأسباب الأساسية وراء رغبة أردوغان الشديدة في الاتفاق مع إسرائيل.
ففي مواجهة تزايد قوة اللوبي الكردي في واشنطن والتعاطف التقليدي للدولة اليهودية مع النضال الكردي، كانت هناك مصلحة واضحة لأردوغان في السعي إلى «تبريد» علاقة إسرائيلية – كردية يمكن أن تصبح أكثر ارتباطاً، لكن العلاقة الوثيقة مع الأكراد هي تحديداً ما يجب على إسرائيل أن تفعله في هذا الوقت.
تستطيع إسرائيل القيام بخطوات مختلفة ومتعددة من خلال مد يدها إلى الأكراد في هذه اللحظة المهمة بالنسبة إليهم. ويتعين عليها أن تكون رأس حربة في دعم حقهم في تقرير مصيرهم والدفع قدماً بتطلعاتهم الوطنية.
كما في استطاعة إسرائيل أيضاً مساعدة الأكراد في مجالات كثيرة غير عسكرية، مثل التعليم والصحة والزراعة وغير ذلك. ويتعين عليها أن تعزز علاقاتها بصورة خاصة مع الجيب الكردي في العراق، بما في ذلك اقامة علاقات تجارية، وهناك مجموعة منتجات تستوردها إسرائيل حالياً من مصادر أخرى ويمكنها أن تشتريها من كردستان.
كما يوجد في إسرائيل مجموعة رجال أعمال من أصل كردستاني يمكنهم أن يشكلوا جسراً مهماً للعلاقات الاقتصادية والثقافية بين الشعبين - بما في ذلك تأسيس مكتب تجاري إسرائيلي - كردستاني.
قاسم: هناك فرصة حقيقية لتبييض سجون الاحتلال
19 أكتوبر 2023