خلال شهر تموز أحيت إسرائيل ذكرى مرور 10 أعوام على الحرب على لبنان أو كما يسميها الإسرائيليون حرب لبنان الثانية، وذكرى مرور عامين على الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة التي تحمل إسم "الجرف الصامد". وأهم خلاصة وصل إليها الإسرائيليون في مراجعاتهم النقدية واستخلاص الدروس والعبر أنه لم يعد في استطاعة الجيش الإسرائيلي، على رغم كونه الجيش الأقوى في المنطقة، أن يحقق انتصاراً ساحقاً وواضحاً على خصومه، وأنه قد ولّى الى غير رجعة زمن الانتصارات كما في حرب حزيران 1967. ومن الان وصاعداً على الشعب الإسرائيلي أن يدرك أنه في المواجهات العسكرية غير المتناظرة بين جيش نظامي مثل الجيش الإسرائيلي وتنظيمات خارج الدولة مثل "حزب الله" أو حركة "حماس" لا مجال لتحقيق انتصار حاسم ونهائي.
ومن الدلائل على ذلك المعارك الطاحنة غير المتناظرة الدائرة بين تنظيم "الدولة الإسلامية" وجيوش التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أو التحالف الذي تتزعمه روسيا في سوريا، التي لم تنجح على رغم القوة العسكرية الدولية الهائلة في تحقيق الانتصار العسكري الحاسم.
لقد بات الإسرائيليون مقتنعين اليوم بأن المنطقة دخلت مرحلة مختلفة جراء انهيار الأنظمة العربية القديمة وتفكك بنى الدولة في كل من سوريا والعراق، وتلاشي خطر الجيوش النظامية ليحل محله خطر التنظيمات المسلحة الراديكالية. والجيش الوحيد الذي لا يزال محافظاً على وحدة صفوفه هو الجيش المصري الذي شهد في السنوات الأخيرة، منذ مجيء عبد الفتّاح السيسي الى الحكم تحسناً مطرداً في علاقاته مع إسرائيل وتعاونه الأمني معها وصل الى حدّ مشاركة الطائرات الإسرائيلية في الحرب التي يشنها الجيش المصري على التنظيمات السلفية في سيناء.
الحروب المستقبلية ستكون مختلفة عن سابقاتها، وهي تتطلب إعداداً مختلفاً، وعقيدة قتالية مختلفة، وبناء جديداً للقوة في الجيش الإسرائيلي بصورة تجعله جيشاً صغيراً "رشيقاً" أكثر فاعلية بكثير، وهذا ما يعكف على تطبيقه رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد من خلال استراتيجيته الجديدة.
في حروب إسرائيل المستقبلية سواء ضد "حماس" في غزة أو ضد "حزب الله" في لبنان ستكون الجبهة الداخلية المدنية ساحة أساسية من ساحات القتال، وستكون حروباً لا يمكن حسمها كما تعودت إسرائيل ان تفعل بالغارات الجوية والمدفعية البعيدة المدى. فهل المجتمع الإسرائيلي الذي تعود حياة الرفاه ورغد العيش قادر على خوض هذه التجربة المرة؟
في ظل هذا الواقع الجديد يبدو الجيش الإسرائيلي قوة فائضة عاجزة عن تحقيق الحسم في الحروب المقبلة، مما يقصر دوره على تأبيد الاحتلال للأراضي الفلسطينية.
عن النهار اللبنانية