تفاصيل عن الليلة الاخيرة لصدام حسين يوم احتلال بغداد في مثل هذا اليوم

thumb.php(9)
حجم الخط

 يستذكر العراقيون التاسع من نيسان كل عام باعتباره اليوم الاسود في تاريخ بلاد الرافدين، التي تعاقبت عليها جيوش الغزاة على مدى القرون الماضية، غير ان بغداد لم تستسلم لارادة الاجنبي، وسرعان ما تنفض عنها غبار الاحتلال وتعود حرة وقبلة العرب برغم جراحها.

وعلى الرغم من مرور 12 عاما على احتلال بغداد فانها مازالت تعاني من تداعيات احتلالها، موشحة بالسواد من فرط ما أصابها من تدمير ومحاولات لتغييب عروبتها ودورها في العمل العربي.

ومن المناسب ونحن نستذكر ماجرى لعاصمة العروبة الجريحة بغداد ان نكشف صفحات غير معروفة عما جرى ذلك اليوم من خلال شاهد عيان رصد وتابع الساعات التي سبقت واعقبت احتلال بغداد.

كان صباح التاسع من نيسان حزينا وكئيبا، حتى نهر دجلة كان حزينا، وليس النهر الذي كنا نعرفه متدفقا وحيويا وجميلا، حتى بدا لنا ونحن نتطلع اليه من شرفة غرفتنا في فندق المريديان ببغداد انه متوقف عن الجريان.ووسط اجواء الترقب والانتظار تردد الصحافيون الذين تجمعوا في باحة الفندقين لمتابعة ما يحدث من حولهم، بعد ان تضاربت الاخبار حول حقيقة ما يجري في الخارج، انتبهوا الى من يدعوهم الى مؤتمر صحافي عاجل لوزير الاعلام السيد محمد سعيد الصحاف على سطح فندق المريديان.

وهرعنا الى السطح واذ بالصحاف يطمئن الصحافيين، ويؤكد ان الامور مسيطر عليها، وان ما يسمعونه هو تسريبات صحافية هدفها احداث البلبلة والتأثير في معنويات المقاتلين، وكان الصحاف متماسكا وعنّف بعض مراسلي وسائل الاعلام الامريكية لعدم مصداقية تقاريرهم حول تطورات الحرب على العراق، غير اننا لاحظنا ان الصحاف غادر الفندق في سيارة عادية قاصدا المقر البديل لوزارة الاعلام في التلفزيون التربوي بمنطقة الاعظمية.

وبعد ان افلح الصحافيون في نقل مراكز وجودهم من المركز الصحافي بوزارة الاعلام الى منطقة الفنادق برغم اعتراض الوزارة على ذلك تحول الفندقان والباحة بينهما الى غابة من الصحون اللاقطة، ومع اقتراب الساعة الرابعة من عصر ذلك اليوم الاسود، لاحظنا ان وسائل الاعلام الامريكية والغربية بدأت بنصب كاميراتها فوق أسطح الفندقين، وتوجهها نحو ساحة الفردوس، وكأن حدثا كبيرا سيحصل فيها، وحصل ما كنا نتوقعه بتحويل المشهد الذي حصل في ساحة الفردوس الى واقع وكأنه نهاية للحرب.

واوهمت قوات الاحتلال العالم انها باسقاط تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس عصر التاسع من نيسان عام 2003 بانها انهت الصفحة العسكرية في حربها مع العراق، في حين كان صدام في نفس اللحظة في منطقة الاعظمية يحيي الجماهير التي التفت حوله في مفارقة بين مشهدين كانت تعيشه بغداد في ذلك اليوم في تاريخ العراق، ومايكشف سيناريو الاحتفال باحتلال بغداد الذي جرى في ساحة الفردوس، هو ان اكثر من نصف بغداد وخمس محافظات عراقية هي الموصل وصلاح الدين والانبار وديالى وكركوك لم تصلها القوات الامريكية، هنا كانت الرمزية في اسقاط تمثال صدام في وسط ساحة في قلب بغداد كرسالة للجميع مفادها ان بغداد والعراق كله اصبح تحت السيطرة.

وكان صباح العاشر من نيسان حزينا ومختلفا عن بقية الايام، فالدبابات الامريكية تطوق ساحة الفردوس واتخذت من باحة فندقي المريديان والشيراتون مكانا لانتشار قوات المارينز، ومازاد من حزننا وقلقنا الرايات البيضاء المتدلية من شرفات الفندقين بعد ان قذفت اماكن وجودهم مدفعية الدبابات الامريكية التي تسللت الى بغداد وقتلت وجرحت العديد منهم.لتفادي اي موقف مماثل.

وبعد اكتمال وصول طلائع القوات الامريكية الى قلب العاصمة واطرافها الغربية حتى تحولت الى مدينة اشباح يصول ويجول فيها اللصوص الذين دهموا المصارف الحكومية والاهلية، فيما استباح اخرون المتحف العراقي ونهبوا مقتنياته امام انظار تلك القوات التي غضت النظر عن نهب وتدمير حضارة العراق وذاكرته التاريخية..

وامام خواتيم هذا المشهد كيف تصرف صدام في تلك اللحظات واين كان المسؤولون العراقيون قبل وبعد التاسع من نيسان؛ حيث شوهد صدام بالقرب من جامع ام الطبول المؤدي الى المطار ظهر السادس من نيسان وهو يحمل السلاح ومحاطا بعشرات المقاتلين وكان يحمل الار بي جي على كتفه وبصحبته نجله قصي.

وبحسب رواية ضابط ابلغ الصحافيين في حينه فان صدام اشرف على سير معركة المطار بكل تفاصيلها من موقعه في جامع ام الطبول القريب من المطار وان قوات الحرس الجمهوري المدافعة عن المطار كبدت القوات الامريكية خسائر فادحة وافشلت انزالا جويا على حافته الغربية برغم التفوق الجوي الامريكي، واتهم القوات الامريكية باستخدام اسلحة استراتيجية غير تقليدية في معركة المطار بعد ان شعرت انها ستتعرض الى هزيمة منكرة فقررت الاستعانة بسلاح محرم دوليا ادى الى شل قدرة القوات المدافعة عن المطار بفعل السلاح المستخدم الذي اوضح انه تسبب في شل حركة اطقم الدبابات ومنظومات الدفاع الجوي الى حد احتراقهم واستشهادهم وهم في اماكنهم.

في هذه اللحظات الحاسمة امضى صدام ليلته في جامع ام الطبول غربي بغداد؛ حيث توجه صدام ظهر التاسع من نيسان الى منطقة الاعظمية، وحيا الذين تجمعوا لتحيته وكان معه وزير الدفاع سلطان هاشم احمد وولده قصي وبعض افراد الحماية، وعندما انتهى من ذلك اصطحب معه سكرتيره عبد حمود وثلاثة فقط من حمايته وتوجه الى جهة مجهولة، وكان صدام الذي رفض الانذار الذي وجهه بوش الابن القاضي بمغادرته وولديه العراق خلال 48 ساعة من بدء الحرب ودع عائلته في اجتماع مؤثر في احدى مزارعه في منطقة الدورة جنوبي بغداد وكشف مصدر مطلع ان نجلي الرئيس الراحل صدام حسين عدي وقصي وابنه مصطفى توجها الى سورية بعد الاحتلال بعدة ايام، الا ان السلطات السورية ابلغتهما بمغادرة اراضيها، والموقف السوري تكرر مع شقيقي صدام وهما سبعاوي ووطبان ووزراء ومسؤولون عراقيون كبار في حين استضافت احدى القبائل العراقية زوجة صدام وكريماته واولادهما،

وماجرى خلال مسار الحرب اصيب الصحفيون.. اصيبوا بحيرة واستغراب بعد استدعائهم على عجل الى مؤتمر صحافي في فندق المنصور المطل على نهر دجلة في الايام الاولى للحرب، وفوجئوا باعلان وزير الدفاع سلطان هاشم احمد ان طلائع القوات الامريكية قد تصل بغداد في غضون اسبوعين، وكان وزير الاعلام محمد سعيد الصحاف الى جانب وزير الدفاع وهو يشرح على خريطة سير المعارك، بدا حزينا لكنه لم يرمش له جفن حين تسقط الصواريخ على المنطقة التي يقع فيها الفندق، حتى ان طاولته اهتزت من عصف القصف وارتداداته على القاعة وابوابها وشبابيكها، لكن الرجل بقي صامدا غير مكترث بما يجري خارج القاعة،

ونظم المركز الصحافي في وزارة الاعلام جولة للصحافيين العرب والاجانب لبعض مناطق التماس جنوبي بغداد التي زعمت قوات الاحتلال انها وصلتها، غير اننا شاهدنا حطام دبابات وعربات نقل امريكية محترقة ومتناثرة على الطريق السريع ووجود لعشرات الجنود العراقيين وآلياتهم تحدثوا عن معارك شرسة مع القوات الامريكية.

وكان وزير الاعلام محمد سعيد الصحاف يوجز للصحافيين يوميا سير المعارك وعقد نحو 20 مؤتمرا صحافيا خلال فترة الحرب، ولغاية التاسع من نيسان الذي انتقل الى المقر البديل لوزارة الاعلام الكائن في منطقة الاعظمية وبقي حتى مساء ذلك اليوم.

واستلم الصحاف في ذلك اليوم رسالة مكتوبة بخط صدام موجهة للعراقيين يدعوهم فيها لمقاومة الاحتلال، وفي صبيحة اليوم التالي اي العاشر من نيسان واثناء ما كنا متجمعين في ساحة الفردوس اقترب مني شخص لا أعرفه وقدم لي بيانا مطبوعا صادرا عن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، يدعو لمقاومة المحتل، وطلب مني استخدامه في رسالتي اليومية الى اذاعة مونتي كارلو الذي كنت مراسلا معتمدا لها بالعراق، وعلى الفور أعددت تقريرا عاجلا أشرت فيه الى ان المقاومة ضد الاحتلال بدأت بعد يوم من احتلال العراق، كأول رد فعل على احتلاله، واشرت الى انها اسرع مقاومة في التاريخ، اذ اعلن عن مقتل جندي امريكي جنوب بغداد في نفس اليوم.