نيلسون مانديلا والجبل سايمون

thumbgen
حجم الخط
 

تمثل جنوب افريقيا تجربة غنية في الكفاح ضد العنصرية ونظام الأبارتهايد المتوحش.

ورغم وجود فوارق بين الوضع الفلسطيني وما ساد في جنوب إفريقيا فان هناك نقاط تشابه وتقاطع كثيرة أحدها أن فلسطين وجنوب إفريقيا تعرضتا لاستعمار استيطاني، وترسخ في الحالتين تحت إشراف الاستعمار البريطاني.

وافرز كلا الاستعمارين نظام أبارتهايد قائما على التمييز العنصري، على أساس اللون في حنوب افريقيا، وعلى أساس الانتماء القومي في فلسطين, وفي حالتنا كحالتهم تلعب حركة المقاطعة دورا رئيسا في إسقاط نظام الابرتهايد والعنصري.

وقد ارتبط النظامان العنصريان بروابط وثيقة. رئيس جنوب إفريقيا العنصرية تفاخر في عام 1961

بالقول أن إسرائيل مثل جنوب إفريقيا " دولة ابارتهايد".

الثورة الفلسطينية دعمت مناضلي جنوب إفريقيا والمؤتمر الوطني الإفريقي، وقال لنا مناضلوه أنهم كانوا يظنوا أن فلسطين ستحقق حريتها قبل جنوب افريقيا.

ولعل ذلك كان أحد  الدوافع وراء جملة نيلسون مانديلا الشهيرة يوم سقط نظام الفصل العنصري عندما قال :" ان حريتنا لن تكتمل إلا بحرية الفلسطينيين". "

دون شك أن خصمنا أقوى وأشرس من الخصم الذي واجهه شعب جنوب إفريقيا وامتداداته الدولية أوسع.

لكن هناك الكثير مما يمكن أن نتعلمه من خبرة النضال ضد العنصرية الاستعمارية في جنوب إفريقيا والذي بدأه غاندي قبل ان ينتقل بتجاربه الى الهند ليقود نضالها الناجح للاستقلال عن بريطانيا الاستعمارية.

يقول أصدقاؤنا من قادة النضال الإفريقي، أن أهم عاملين ساهما في اسقاط نظام التمييز العنصري ، كانا التنظيمات الجماهيرية الشعبية الواسعة محليا، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات دوليا.

وبلغ عدد التنظيمات الشعبية الكبيرة في المؤتمر الوطني الافريقي ست وتسعون ائتلافا من الاتحادات النقابية والطلابية إلى المنظمات النسوية والصحة والشبابية وغيرها.

وعندما وصل نظام الفصل العنصري الى خطر الانهيار بفعل الكفاح الشعبي وقوة المقاطعة، طلب التفاوض سرا مع مانديلا الأسير في سجنه، فرفض.

ولم يقبل أن يفاوض إلا بعد أن تلقى تفويضا من الستة وتسعين تنظيما شعبيا، وعندما بدأت المفاوضات فانه كان ملزما بالتقيد بالخطوط التي حددتها القيادة الجماعية للمؤتمر الوطني،و كان ملزما هو ومن معه بتقديم تقارير دورية، دقيقة، وصحيحة لكل ما يجري .

وبذلك حرم مضطهديه من فرصة الاستفراد به أو بغيره في مفاوضات سرية كما فعل الاسرائيليون بالمفاوضين الفلسطينيين.

روح القيادة الجماعية وممارستها واحترام قواعد الديمقراطية الداخلية هو ما منح نيلسون مانديلا مكانته، التي عززتها استقامته الخلقية وتغليبه الدائم للمصالح العامة على مصلحته الخاصة ان حدث تعارض بينهما.

في آخر عامين من سجنه الذي استمر سبع وعشرين عاما، نقل مانديلا الى بيت أشبه بالسجن ليخوض المفاوضات من أجل حرية شعبه.

وملأ قادة الفصل العنصري البيت بأدوات التصنت ليتجسسوا على مانديلا الذي فهم بذكائه مقاصد وضعه في ذلك البيت.

ولذلك كان يتجنب الحديث في القضايا السياسية داخل البيت حتى لا تلتقطها أجهزة التجسس.وكان يتباحث مع رفاقه في الفضاء خارج البيت، وحتى عندما كان يريد مراجعة أفكاره كان بخرج للفضاء و يخاطب جبلا هائلا ينتصب أمام بيته، وأعطى ذلك الجبل بعدا إنسانيا عندما اطلق عليه اسم سايمون.

العبرة في ذلك ان استراتيجيتة وتاكتيكاته بقيت سرا على خصمه، لكنها كانت معروفه لرفاقه في الكفاح وللقيادة الجماعية وللشعب الذي يمثله.

وهكذا اكتسب مزيدا من القوة ولم يسمح لأعدائه بعزله ابدا عمن يمثلهم.

انتصر شعب جنوب افريقيا، وهزم نظام الابارتهايد ، ونستطيع أن ننتصر نحن أيضا في فلسطين بإتقان فن خوض النضال الشعبي الواسع واستخدام سلاح المقاطعة والاستناد الى الديمقراطية في تنظيم علاقاتنا.