"حماس" تستخلص الدروس وتبني إستراتيجيتها للمواجهة القادمة

القسام_1
حجم الخط

منذ انتهاء عملية "الجرف الصامد" يبدو أن هناك نقاشات في قيادة “حماس” من أجل تحديد مواقفها وبلورة استراتيجية الصراع مع اسرائيل للسنوات القادمة. ويأتي هذا ايضا على خلفية التقارير في التلفاز وفي الشبكات الاجتماعية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، حيث يصعب التأكد من مصداقيتها، بأنه في نهاية العام من المتوقع حدوث تغييرات في القيادة السياسية والعسكرية لـ”حماس”.
تتم هذه المشاورات احيانا في اللقاءات المباشرة، واحيانا من خلال الرسائل. ويشارك فيها جميع المسؤولين في المنظمة: الذراع السياسية في غزة برئاسة اسماعيل هنية ومحمود الزهار، الذراع العسكرية في غزة برئاسة يحيى السنوار ومحمد ضيف ومروان عيسى، الذراع السياسية في الخارج برئاسة خالد مشعل ونائبه موسى أبو مرزوق. وقادة الذراع العسكرية في الخارج، ومنهم صالح العاروري، الذي تم طرده قبل بضعة اشهر من تركيا وهو يوجد الآن في قطر.
هدف آخر للمشاورات يمكن أن يكون استخلاص الدروس العسكرية والسياسية من الحرب في صيف 2014 (الجرف الصامد) وفحص ما اذا كانت “حماس” بحاجة الى تغيير مواقفها وسياستها، وحل الخلافات الداخلية فيها. هذه الخلافات، وبالذات بين القيادة السياسية والذراع العسكرية، لا تتعلق فقط باسرائيل، بل ايضا بالموقف من ايران (الذراع العسكرية نفسها تجري الاتصالات مع ايران وتحصل على الاموال والسلاح منها، الامر الذي تعارضه قيادة الحركة). وايضا العلاقة مع السعودية ومصر.
بعض الخلافات تم حلها وبعضها، مثل العلاقة مع ايران، بقيت على حالها. الاتفاق الاوسع والاشمل الذي تم التوصل اليه هو حول العلاقة مع اسرائيل. الاستراتيجية التي اعتمدت في هذا الامر لا هوادة فيها. قيل إنه لا يوجد مكان للتراجع أو تقديم التنازلات السياسية لاسرائيل. وكذلك بقاء ميثاق “حماس” دون تغيير، هذا الميثاق الذي يعتبر "ارض اسرائيل" كلها (فلسطين)، من البحر الى النهر، أرض وقف إسلامي. تتمسك “حماس” ايضا بموقفها القاضي بأن الدولة الفلسطينية التي تريد اقامتها يجب أن تتبنى الشريعة الاسلامية وأن تكون قوانينها حسب الشريعة.
مع ذلك، الموقف الجديد – القديم لـ”حماس” لا يعني أنها ستبادر في الغد الى خطوات عسكرية ضد اسرائيل. في “حماس” هناك فهم وهو مقبول على الذراع العسكرية ايضا، بأن الحركة ليست مستعدة بعد لمواجهة عسكرية اخرى، لذلك يجب بذل الجهد من اجل الامتناع عن المواجهة في المستقبل القريب. وحتى ذلك الحين يجب الاستمرار في جهود التسلح وبناء القوة العسكرية.
تمر “حماس” حاليا بضائقة استراتيجية. فهي ليس لها حليف في العالم العربي، قطر هي الممول الاكبر لاعمار القطاع، السعودية ايضا تتبرع بالاموال، وهي تتحفظ على “حماس”، ودخول تركيا كطرف في اعمار القطاع في اعقاب اتفاق المصالحة مع اسرائيل لن يغير الوضع كثيرا، فـ“حماس” عالقة بين ذراعين قويتين هما مصر واسرائيل، مصر تقوم بهدم انفاق التهريب، و“حماس” الآن مرتدعة وهي لا تريد المواجهة، ومنذ "الجرف الصامد" لم يطلق نشطاؤها ولو رصاصة واحدة نحو اسرائيل.
الاستخلاصات العسكرية العملية التي يستطيع قادة “حماس” استخلاصها هي أنه رغم عدم تحقيق انجازات عسكرية ذات أهمية استراتيجية، فان توجهات الحركة خلال الحرب كانت صحيحة ويجب تعزيزها. وهذا يشمل تحسين القدرات والاستمرار في حفر الانفاق نحو العمق الاسرائيلي من اجل نقل جزء من المعركة اليه مستقبلا.
من الواضح للجيش الاسرائيلي ايضا أن أحد الاستنتاجات المهمة التي توصلت اليها “حماس” من الحرب، هو أن استخدام الصواريخ بعيدة المدى، والتي أطلقت نحو مركز البلاد ومطار بن غوريون، لم تحقق هدفها وذلك بفعل صمود المواطنين ونجاح "القبة الحديدية"، اضافة الى الكثير من الحظ الذي منع وقوع اضرار بالغة في الارواح والممتلكات. ومن هذا الاستنتاج تأخذ “حماس” العبرة بضرورة العودة الى استخدام القذائق والصواريخ قصيرة المدى ضد غلاف غزة.
وخلافا للوعود الاولية التي قدمتها شركة رفائيلي ووزارة الدفاع، فان "القبة الحديدية" لا يمكنها اسقاط الصواريخ والقذائف قصيرة المدى بسبب المسافة القصيرة (حتى 7 كم) وزمن الوصول (25 ثانية) الى مناطق غلاف غزة، بما في ذلك سدروت. هذه المناطق ستكون مستهدفة أكثر من قبل “حماس” في الحرب القادمة، وستكون تحت القصف الكثيف. الملاجئ فقط هي التي يمكنها حماية السكان. وفي المقابل، ستستمر “حماس” في اطلاق الصواريخ بعيدة المدى على مدن اسرائيل في الجنوب والوسط، والقليل على الشمال ايضا كما فعلت دون نجاح كبير في عملية "الجرف الصامد".

خطة بار ليف

مع مرور عامين على عملية الجرف الصامد، لا يوجد لدى رئيس الحكومة ووزير الدفاع والكابنت والجهاز الامني والعسكري في اسرائيل، أي خداع للذات. فمن الواضح لهم أن اسرائيل ستضطر في وقت ما الى الخروج في حرب جديدة، رابعة، ضد “حماس” في قطاع غزة. ولكن في المقابل، تتعزز القناعة في إسرائيل أنه يجب مضاعفة عدد الجهود من اجل ابعاد خطر المواجهة العسكرية لعدة سنوات اخرى على الاقل.
إن إبعاد خطر المواجهة القادمة يتعلق بقدرة ردع الجيش الاسرائيلي، التي ما زالت ناجعة حتى الآن من خلال بناء العوائق الارضية وتحت الارضية، ضد الانفاق وتحسين استعدادية الجبهة الداخلية. ولكن اذا كانت هذه الامور تعمل على ابعاد اندلاع المواجهة، فمن الواضح أن التهديد الاكبر للهدوء السائد منذ سنتين في الجنوب هو الوضع الاجتماعي – الاقتصادي المتدهور جدا لاغلبية سكان القطاع الذين يبلغ عددهم 1.8 مليون نسمة.
كثير من الباحثين والمحللين يعتقدون أن الحرب الاخيرة اندلعت بسبب الازمة الاقتصادية والرغبة لدى “حماس” في "رفع الحصار". وهذا هو سبب رفض مصر واسرائيل الاستجابة لأي طلب من طلبات “حماس” اثناء المفاوضات. واغلبية الطلبات كانت اقتصادية من اجل عدم منح المنظمة، لو شكليا، أي انجاز.
تدرك اسرائيل شيئا فشيئا أن غزة على أبواب "كارثة انسانية". ومن المتوقع أن يحدث ذلك خلال 3 – 4 سنوات. ومن وضع هذا التعبير هم خبراء الامم المتحدة. والحكومة والجيش تبنيا ذلك.
الوضع، الآن، غير محتمل. قبل ثلاثة اشهر طرحت هنا معطيات حول الضائقة واليأس في غزة، هذه المعطيات يجب أن تقلق اسرائيل وتزعزعها. في العقد الاخير، منذ الانفصال عن غزة، زاد عدد السكان بـ 600 ألف نسمة، مساحة القطاع 365 كم مربع واكتظاظ السكان هو 4.822 شخص في كيلومتر مربع واحد. وهذا هو المكان الثالث من حيث الاكتظاظ في العالم. حسب تقرير الامم المتحدة سيصل عدد سكان القطاع بعد اربع سنوات الى 2.3 مليون نسمة.
لقد غرق في غزة 500 شخص في السنوات الاخيرة عندما حاولوا الابحار في قوارب صغيرة للصيد والوصول الى شاطئ أمان على البحر المتوسط، وذلك على خلفية الضائقة والاحباط. هناك زيادة في عدد حالات الانتحار وحالات القتل داخل العائلة. نسبة البطالة في اوساط الشباب تصل الى 60 في المئة. 90 في المئة من المياه في غزة غير صالحة للشرب. ويتم استخراج كمية زائدة من الآبار الارتوازية. وتعتبر مياه غزة مالحة الى درجة أن الاجانب يقومون بتنظيف أسنانهم بالمياه المعدنية. الآن، حيث عادت تركيا الى الصورة، فهناك أمل في أن تنفذ حكومة اردوغان وعودها، وتقوم بالتعاون مع المانيا ببناء محطة لتحلية مياه البحر. ومع ذلك ستستغرق اقامة هذه المحطة بضع سنوات.
مصر لا ترغب في سماع الحلول في موضوع غزة. فغزة لا تعنيها. فهي أغلقت معبر رفح والحركة التجارية فيه ضئيلة. لقد ألقت مصر بغزة الى اسرائيل. وأصبحت المسؤولية ملقاة على عاتق اسرائيل.

في كل يوم يدخل الى القطاع حوالي ألف شاحنة محملة بالبضائع: الطعام والوقود والادوية والاسمنت. وهناك خطة لزيادة عدد الشاحنات. اغلبية التمويل يأتي من قطر. في هذا الاسبوع فقط قدمت قطر لـ”حماس”، بموافقة اسرائيلية، 30 مليون دولار من اجل دفع رواتب الموظفين. وتزود اسرائيل القطاع بنصف كمية الكهرباء، لكن ذلك لا يكفي. هناك نقص بـ 50 في المئة في الكهرباء، والقطاع يعاني من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة. ولدى منسق شؤون "المناطق" يفحصون الآن خططا جديدة لزيادة كمية الكهرباء، واقامة انبوب لإيصال الغاز للقطاع. ولكن هذه المساعدة تشبه الحبوب المسكنة لمريض يحتضر. فقط خطوة كبيرة لها مغزى اقتصادي استراتيجي يمكنها وقف الكارثة الانسانية وابعاد الحرب. والخطة الاكثر قابلية للتحقق هي بناء الميناء.
هذه الفكرة ليست جديدة، فقد تم طرحها في اوساط عسكرية وسياسية. وأول من قام بطرحها هو عضو الكنيست عومر بارليف من "المعسكر الصهيوني" في تشرين الأول 2014، بعد انتهاء الحرب بشهرين. وقد قدم خطة باسم "غزة الفرصة" وهي تشمل جدولا زمنيا مفصلا. وحسب هذه الخطة سيتم انشاء الميناء خلال اربع سنوات. ولكن ليس قبل نزع السلاح من غزة.
"في البداية “حماس” تعطي وبعدها تأخذ"، كتب عضو الكنيست بارليف في خطته، "الميناء البحري والجوي سيعملان بعد نزع السلاح من القطاع بسنوات، الامر الذي سيسمح باختبار الرقابة الدولية على نزع السلاح. ويضاف الى ذلك أن “حماس” والدول المانحة لا تريد بناء الميناء والمطار اللذين قد يتم تدميرهما في الحرب القادمة. في السطر الاخير، اسرائيل لن تخسر أي شيء. بدون اتفاق على نزع السلاح من غزة فان “حماس” ستتسلح من جديد وستطلق النار على اسرائيل ونحن سنرد. الخطة المطروحة تحاول اعفاءنا من هذا السيناريو".
فكرة اقامة الميناء مقبولة على الاجهزة الامنية الاسرائيلية – الجيش و"الشاباك" و"الموساد". والشرط هو أن تكون اسرائيل هي صاحبة الحق في الرقابة الكاملة على البضائع التي ستصل الى الميناء من اجل ضمان عدم تهريب السلاح أو المواد التي تستخدم في تصنيعه.
يدعم هذه الفكرة في الاشهر الاخيرة وزير المواصلات والمعلومات، اسرائيل كاتس. وقد قال لي إن "بناء الميناء سيُكمل عملية الانفصال التي نفذها اريئيل شارون، الخطوة التي كنت أعارضها. خطة شارون هدفت الى فصل اسرائيل تماما عن قطاع غزة. وفعليا قامت اسرائيل باخلاء الجيش والسكان، لكنها لم تنفصل. نحن نستمر في تقديم كل شيء لهم".
يطلق كاتس على خطته اسم "جزيرة – انفصال"، الفكرة هي اقامة جزيرة صناعية في البحر بتمويل دولي على بعد 4.5 كم عن شواطئ غزة. وقد تم اعداد النموذج من قبل شركة موانيء اسرائيل التي اعتمدت على خطة رجل الاعمال اسحق تشوفا، الذي اقترح اقامة جزر صناعية أمام شواطئ اسرائيل وانشاء وحدات سكنية عليها. في الجزيرة أمام غزة تقام ايضا اضافة الى الميناء مصانع للطاقة ولتحلية المياه. وفيما بعد ايضا مطار وفنادق. ولكن ليس وحدات سكنية. الفحص الامني في الميناء يكون برقابة اسرائيلية مطلقة، ويتم وصل الجزيرة مع غزة بوساطة جسر في مركزه نقطة فحص امنية اخرى برقابة دولية. هكذا لن تعود اسرائيل مسؤولة عن غزة، وستعطى للفلسطينيين الحرية المدنية الكاملة، وتحافظ اسرائيل على أمنها دون الخوف من تهريب السلاح. والحفاظ على نزع السلاح هو الشرط لانشاء الجزيرة.
تحظى فكرة الوزير كاتس وعضو الكنيست بارليف باهتمام حكومات ووسائل اعلام دولية، وتبين في الآونة الاخيرة أن اغلبية اعضاء الكابنت، بما في ذلك وزير التربية والتعليم بينيت، ووزير الاسكان، يوآف غالنت، ووزير المالية، موشيه كحلون، يريدون ذلك. والمعارض الرئيس الذي أحبط كل محاولة في هذا الاتجاه كان وزير الدفاع يعلون الذي أراد الحفاظ على الوضع الراهن ورفض تقديم بوادر حسن نية للفلسطينيين. أما الآن، بعد اقالة يعلون فقد فتحت نافذة للفرص، حتى لو عارض وزير الدفاع افيغدور ليبرمان ذلك.

في القريب يفترض أن يجتمع الكابنت لنقاش اقتراح كاتس. رئيس الحكومة نتنياهو، خلافا ليعلون وليبرمان، لا يعارض فكرة الميناء مبدئيا. وقد قال ذلك في السابق للوزير كاتس وكرر ذلك، الاثنين الماضي، في لقاء مع المراسلين العسكريين. "ليست لدي مشكلة مع الميناء، طالما أننا نستطيع الرقابة على البضائع"، قال.
السؤال الكبير هو ما اذا كان نتنياهو يستطيع التغلب على معارضة ليبرمان والشعور بأن صيت المبادرة سيعطى لخصمه السياسي كاتس، الذي يعتبر الآن القائم بأعماله، والذي وعده في السابق بأن يعينه وزيراً للخارجية.