في الصراع ضد “حماس” في غزة نقف أمام "تهديدين للانفاق"؛ تهديد الانفاق الذي تحت مدينة غزة، والذي يسمى "الميترو"، وتهديد الانفاق الذي يجتاز الحدود.
يتضمن الميترو شبكة من الانفاق والمجالات الموجودة تحت الأرض، ما يتيح وجود قيادات نشطة ومعابر لحركة الوحدات من جبهة الى اخرى تحت الارض. وجاء التسمية لان هذه الشبكة تشبه شبكة القطارات السفلية المكتظة الموجودة تحت باريس. ويمنح الميترو قادة “حماس” ومقاتليها احساسا بالامان من المس بهم اثناء الحرب. شبكة الانفاق، المنتشرة تحت مدينة غزة، تمنع الجيش الاسرائيلي من أن يهاجم بشكل مباشر قيادات ومقاتلي “حماس” لاعتبارات انسانية ومن الرغبة في الامتناع عن مس المدنيين الذين يعيشون فوقه. ويؤدي قادة “حماس” والقيادات التي تدير الصراع على نحو جيد مهامهم لانهم لا يكونون عرضة للخطر الشخصي. فحتى مقاتلو “حماس” يكونون عرضة للخطر في فترات زمنية قصيرة، يخرجون فيها فوق سطح الارض. وطالما لم يتوفر حل تكنولوجي للمسالة، فان الميترو سيجعل من الصعب على اسرائيل ايقاع الهزيمة بـ”حماس”.
واستمرارا لبناء الميترو بنت “حماس” عشرات الانفاق التي تجتاز الحدود، بهدف التسلل بفرق "الارهاب" الى بلدات غلاف غزة وايقاع اصابات بين المدنيين هناك. وقد دمرت اغلب هذه الانفاق في "الجرف الصامد".
بتقديري، كان الميترو بالنسبة لـ”حماس” ذخرا استراتيجيا اهم من هذه الانفاق. والدليل هو أنه في اثناء الحملة، عندما كان الجيش الاسرائيلي في هجوم، جرى استخدام واحد للانفاق التي تجتاز الحدود رغم الشبكة المتفرعة التي كانت. فالانفاق التي تجتاز الحدود تسمح باختطاف مقاتلين ومدنيين ومن هنا تنبع قوتها. اما الميترو، بالمقابل، فقد سمح لـ”حماس” بان تدير الحرب "بهدوء" دون أن يشعر زعماؤها ومقاتلوها بالخطر على أنفسهم وعلى شبكتهم القيادية. واحساس الامن هذا هو ذخر استراتيجي هائل بالنسبة لـ”حماس”. وفي كل تقويم استراتيجي للوضع يعتبر انهيار القيادات خطوة حاسمة في الحرب.
ضبطت "الجرف الصامد" الجيش الاسرائيلي بلا حل لمسألتي الانفاق هاتين. وكان الجيش الاسرائيلي يفضل لو أن الحرب نشبت بعد أن يكون هذا الحل متوفرا في يده. ولكن بتقديري لم يكن ممكنا احتواء الهجمات على اسرائيل، وكانت الحملة محتمة. فقد أخذت حكومة اسرائيل مخاطرة استراتيجية محسوبة وفتحت حربا محدودة، انطلاقا من الفهم بانها لن تتمكن من ابادة “حماس”. وسعت الحكومة، مع ذلك، إلى فرض ردع لعدد من السنين يسمح باستعداد تكنولوجي أفضل لاحقا. وقد نجح الرهان. فقد كان استخدام “حماس” للانفاق التي تجتاز الحدود طفيفا. وردعت “حماس” لفترة محدودة. واقدر بان الجيش الاسرائيلي يقترب من ايجاد حلول تكنولوجية للمسألة التي أشرت اليها. وعلى ما يبدو فان الحرب التالية ستكون مختلفة في قدرتها على الحاق الهزيمة بـ”حماس” ويحتمل ان يكون هذا هو ما يمنعها.
ان النقاش الضحل الحالي في موضوع الانفاق يضر بأمن اسرائيل. فالنقاش يعبر عن حاجة سياسية داخلية وليس استراتيجية. وهو يجبر على الرد على ادعاءات غير صحيحة، والنقاش الناشئ من شأنه أن يكشف عن اصرار مهمة. ان جر الدولة الى هذا النقاش بينما لا يزال الجيش الاسرائيلي بعيدا عن حل المسألتين هو في أقل تقدير قصر نظر. فأن يكون المرء عضوا في الكابنت ليس سهلا. هذا يستدعي قبل كل شيء أخذ المسؤولية. على عضو الكابنت ان يستعد وان يدرس قبل المناقشات، وحذار أن يستخدم المعلومات من هذه النقاشات لاسباب سياسية. برأيي اذا استمرت هذه الثرثرة، سيصل الجيش في نهاية المطاف الى قفص الاتهام في أنه لم يطور التكنولوجيات المناسبة. وهذا سيكون اتهاما سخيفا وغير صحيح. ففي كل لحظة معطاة توجد الدولة وجيشها تحت عشرات التهديدات الناشئة وتلك المختفية. والاعتبارات لفتح الحرب متنوعة، وليس في كل وقت ممكن ومرغوب فيه فتحها. العدو ايضا الذي امامنا ليس غبيا وهو الاخر يفكر.
إن الدولة وجيشها يطوران في كل لحظة تقنيات ووسائل من أجل حسم الحروب. ويفترض بالاستراتيجية أن تلتقي الوسيلة الصحيحة، في الوقت الصحيح مع العدو الناشئ. هذا موضوع معقد ومن الجميل بالتالي السكوت.