"هزيمة الـ بي دي أس".. آخر "انتصارات" نتنياهو الوهمية !

20160308091202
حجم الخط

«نشطاء الـ بي.دي.اس يتلقون الضربات في ساحات كثيرة ويُهزمون». هذا ما قاله رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في نقاش، الاسبوع الماضي، أجري في لجنة مراقبة الدولة في الكنيست. «تهتم الدولة بموضوع الـ بي.دي.اس، ولذلك فان من يؤيدون المقاطعة في حالة دفاع عن النفس»، أضاف رئيس الحكومة. هل هذا صحيح؟ الآراء مختلفة حول هذا الامر.
خبراء في هذا المجال يعتقدون أن نتنياهو يبالغ، وأن الدعوات للمقاطعة وعدم الاستثمار في اسرائيل ما زالت تُسمع في أرجاء العالم، واحيانا يكون هناك نجاح حتى لو لم يكن بالشكل الذي يرغبون فيه.
عوديد عيران، باحث في مركز بحوث الامن القومي وسفير اسرائيل السابق في الاتحاد الاوروبي، قال إن تصريحات رئيس الحكومة «غير كاملة وغير دقيقة». فمنظمات المقاطعة ما زالت تعمل، وهي قائمة، ولم تعلن عن وقف ذلك. ومن ناحية اخرى ليس هناك نجاح كبير وهم لا يستطيعون الحاق الضرر بالاقتصاد الاسرائيلي. هذه ليست هزيمة وليست انتصارا كاملا. يمكن القول إن نجاحهم قد توقف، وهم لا يحققون أي نجاح كبير، ولا يقومون بتوسيع دائرة نشاطهم نحو باقي شرائح السكان، «لقد عملنا على منع انتشار الظاهرة».

هل يمكن الاعلان عن الانتصار؟
«في السابق كانت الحروب تنتهي برفع أيدي أحد الأطراف. وكلمة هزيمة لا تلائم هذه الحالة. سيأتي المغني كارلوس سانتانا للغناء في اسرائيل، رغم مطالبة من يؤيدون المقاطعة له بالامتناع عن الذهاب الى تل ابيب («سأذهب كي أقوم بإسعاد إخوتي وأخواتي من فلسطين واسرائيل»، قال المغني في مقابلة أجراها مع القناة 2).
يوجد في المقابل 400 فنان وقعوا على عرائض تؤيد مقاطعة اسرائيل، منهم الكاتبة اليهودية نعمي كلاين، من مواليد كندا، والتي طالبت قبل سبع سنوات بفرض المقاطعة الاقتصادية الكاملة على الدولة في أعقاب عملية «الرصاص المصبوب». والكاتبة واليس ووكر التي منعت اعادة ترجمة كتابها الى اللغة العبرية. والكاتبة الهندية اروندهاتي روي، التي طالبت بفرض مقاطعة ثقافية على إسرائيل. والمغنيان روجر ووترز ولوران هيل اللذان رفضا اجراء العروض في اسرائيل.
تشمل إنجازات اسرائيل اقوال اندرو كؤومو، حاكم ولاية نيويورك، الذي أعلن، الشهر الماضي، أن «من يقوم بمقاطعة اسرائيل فان نيويورك ستقاطعه». ولكن بعد ذلك ببضعة اسابيع نجح نشطاء المقاطعة في شطب القانون الذي يمنع تأييد المقاطعة من مجلس ولاية مساتشوستش. وفي كندا قام 150 محاضرا في الجامعات بالتوقيع في حزيران على عريضة تندد بالـ بي.دي.اس. وبعد ذلك ببضعة اسابيع نشر مؤتمر الكنيسة اعلانا مؤيدا للمقاطعة، مع المطالبة بعدم الاستثمار أو عدم دعم الشركات التي تعمل في المستوطنات. ومن بين اعضاء المؤتمر الـ 350، عارض عضو واحد فقط ذلك.

اوروبا تموّل ..
يترأس داني ايلون، سفير اسرائيل السابق في الولايات المتحدة ونائب وزير الخارجية، في الوقت الحالي جمعية «الحقيقة عن إسرائيل» التي تعمل ضد المقاطعة، حيث تقوم الجمعية بنشر افلام تهاجم نشطاء المقاطعة.
«إن القول إننا انتصرنا على حركة المقاطعة أمر مبالغ فيه وخطير ايضا. لأن من شأن ذلك أن يدفعنا الى النشوة»، حذر ايلون، «الطريق من اجل الانتصار على حركة المقاطعة ما زالت طويلة. فالحركة ما زالت قائمة وتعمل بكل قوتها وهي تستمر في تجنيد المزيد والمزيد من الطلاب. صحيح أننا حققنا عدة نجاحات، ولايات كثيرة في الولايات المتحدة سنت قوانين ضد المقاطعة، وفي بريطانيا كانت عدة تصريحات ضد المقاطعة. بوريس جونسون، الذي هو اليوم وزير خارجية بريطانيا، اعتبر نشطاء المقاطعة اكاديميين يساريين، وقال إن من يؤيدونهم هم أقلية غبية، لكن القول إننا انتصرنا أمر مبالغ فيه. ليس فقط أن حركة المقاطة حية وتتحرك، بل هي تزيد من قوتها».
في اليوم الذي أعلن فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن «هزيمة الـ بي.دي.اس» صادق المجلس القومي لعلاقات العمل في الولايات المتحدة على دعم موظفي الراديو والالكترونيات الذين يؤيدون مقاطعة اسرائيل. قبل ذلك بخمسة ايام أعلنت «ال عال» أنها لن تقوم برحلات مباشرة بين تل ابيب والمدينة الاسبانية سانتياغو دي كومبوستالا؛ لأن مجلس البلدية أعلن في تشرين الثاني الماضي أنه يؤيد المقاطعة. وقد فشلت محاولة التأثير على أعضاء المجلس من اجل تغيير موقفه.
في فرنسا منعت مدينة باريس قبل نصف سنة نشاطات حركة المقاطعة فيها. ولكن قبل بضعة ايام أعلنت منظمة «كريف»، وهي المنظمة السياسية العليا ليهود فرنسا، أنه رغم قرار محكمة العدل العليا ضد مقاطعة اسرائيل، إلا أن الـ «بي.دي.اس» تستمر بالدعوة للمقاطعة في فرنسا. وفي حزيران الماضي طالب مجلس بوندي بمقاطعة منتوجات المستوطنات، وقررت محكمة العدل في بريطانيا أن المجالس المحلية الثلاثة – لستر وسفنسه وغويند – لا يمكنها اعتبارها لاسامية بسبب قرارات مقاطعة منتوجات المستوطنات. وليس ذلك فقط، بل إن الاتحاد الوطني لمعلمي المدارس الثانوية والمحاضرين في الجامعات البريطانية تبنوا دعوة المقاطعة.
وماذا يحدث في المانيا؟ مدينتي ميونيخ وبيرمان تسمح لحركة الـ «بي.دي. اس» باستخدام المباني الممولة من قبل البلديات من اجل تنفيذ نشاطاتها. في شهري نيسان الماضي منح مجلس بلدية بيرويت جائزة بمبلغ 10 آلاف يورو لكود فينك، وهي جماعة تؤيد الـ «بي.دي.اس» بسبب ما اعتبر «مساهمة للانسانية». وأعلنت كود فينك أنها ستستخدم هذا المبلغ لتمويل مؤتمر تأييد الـ «بي.دي.اس» في اوروبا.
في الولايات المتحدة، رغم القرار الفاضح للمجلس القومي لعلاقات العمل، فان الوضع أفضل قليلا. في نيوجرسي تم سن قانون يمنع الاستثمار في الشركات التي تقاطع اسرائيل. أما في كاليفورنيا فقد تم سن قانون يقضي بأن يعلن كل من يريد التوقيع على اتفاق مع الولاية بأنه لا صلة له بموضوع المقاطعة.

غدوت على المهداف
الممثلة غال غدوت ايضا، التي تحولت الى نجمة عالمية، المطلوبة لدور فوندر فامن، تورطت خلافا لرغبتها في موضوع المقاطعة، بعد توجه ثلاثة نشطاء من الـ «بي.دي.اس» في لبنان قبل ثلاثة أشهر لوزارة الاقتصاد اللبنانية، وطلبوا منها أن تعلن عن مقاطعتها لفيلم «البات مان ضد سوبرمان» بسبب مشاركة غدوت في انتاجه، الى جانب الابطال ابن افليك وهنري كافيل. ومن المهم معرفة كيف سيكون الرد هناك في حزيران 2017 عندما ستظهر غدوت كبطلة رئيسة لفيلم فوندر فامن.
في السابق انتقلت شركات مثل «صودا ستريم» و»أهافا» الى العمل داخل الخط الاخضر. هنا أيضا تلقت النجمة الهوليوودية، سكارلت جوهانسون، الانتقاد، وهي التي اختيرت لتقديم «صودا ستريم»، وقد تعرضت للضغط بسبب حقيقة وجود مصانع الشركة في ميشور ادوميم. وقد اختارت جوهانسون الاستقالة من منصبها كسفيرة لمنظمة حقوق الانسان «اوكسفام» احتجاجا على الطلبات التي وجهت اليها. وفي مقابلة أجرتها مع «الغارديان» في 2014 قالت: «عرفت عن وجود هذا المصنع قبل موافقتي على تمثيل الشركة، لكني لم أفكر أن هناك اشكالية في الامر. ما هو الحل، اذاً، هل هو اغلاق المصنع والقاء عشرات العمال الفلسطينيين والاسرائيليين الى الشارع؟».
في بداية 2016 أعلن الاتحاد الاوروبي أن الاتفاقات بين الاتحاد وبين اسرائيل لن تكون سارية المفعول فيما وراء الخط الأخضر. ولكن تحقيق وكالة الاخبار الاقتصادية «بلومبرغ» وجد أنه في الآونة الاخيرة ومنذ نشوء حركة الـ «بي.دي.اس» في العام 2005 زادت نسبة الاستثمارات الاجنبية في اسرائيل. ففي العام 2015 وصل حجم الاستثمارات الاجنبية في البلاد الى 285.12 مليار دولار، وهو ثلاثة اضعاف ما كان في 2005. واضافة الى ذلك، زادت نسبة صيانة الشركات الحكومية التي تعمل في المناطق بشكل ملحوظ في السنوات الثلاثة الاخيرة من قبل جهات اجنبية.
واليكم معطى آخر سيقلل من الحماسة: حسب بحث أجري في الولايات المتحدة، حيث تنشط الـ «بي.دي.اس» هناك في مجال الاكاديميا، فانه في النصف الاول من العام 2016 وقعت 287 حادثة لاسامية في المعاهد والجامعات مقابل 198 حادثة كهذه في السنة الماضية.

سابقة «أورنج»
البروفيسور عمرام غولدبلوم، الذي يؤيد مقاطعة منتوجات المستوطنات، فوجئ عندما سمع تصريح نتنياهو عن هزيمة الـ «بي.دي.اس». «في اليسار هناك من يعتقدون أن نشطاء الـ بي.دي.اس هم اشخاص خطرون، وهناك من يعتقد أن هذه منظمة صغيرة انتفخت بشكل كبير من قبل بيبي واليمين من اجل الحرب عليها. ولكن الـ بي.دي.اس هي مجموعة من الاشخاص مع افكار كثيرة، بعضهم يريد القضاء على اسرائيل وبعضهم يحارب المستوطنات فقط. ذات مرة كنت ضدهم عندما تظاهروا في نيوزلندا ضد اوهيد نهاريم. أنا ضد مقاطعة اسرائيل، لكنني سعيد بالمطالبة بمقاطعة المستوطنات».
أنفقت الدولة 100 مليون شيكل على محاربة المقاطعة. فهل يمكن أن يكون نتنياهو محقا وأنه بعد كل تلك الجهود هُزمت الـ «بي.دي.اس»؟
«لا أعرف لماذا يقفز نتنياهو الآن فجأة في موضوع الـ بي.دي.اس. فهذه حركة لا تهم أحداً، وأنا لا أرى ما يفعلونه، وللأسف الشديد، لا أرى ايضا نشاطات خاصة ضد المستوطنات. يعمل نتنياهو مثل دون كي شوت ضد طواحين الهواء. ففي البداية يخترع الـ «بي.دي.اس»، وبعد ذلك يبالغ في حجمها، وبعد ذلك يهزمها. الـ «بي.دي.اس» بالنسبة لنتنياهو مثل ايران و»داعش» واردوغان. دائما هناك عدو يجب محاربته».
موقع الـ «بي.دي.اس» في الانترنت يتفاخر بعدد من الانجازات الكبيرة في السنة الماضية. منها، حسب زعمهم، أنهم يعملون من اجل أن تقوم شركة الحماية البريطانية «جي.فور.اس»، التي تقوم بحماية السجون والحواجز والمستوطنات، بمغادرة اسرائيل. «لقد نجحنا في الحاق الضرر بالشركة»، كما جاء في الموقع، ويتفاخر بأنه بفضل هذا النشاط فقدت شركة جي.فور.اس عقود بملايين الدولارات. والموقع لا يذكر أنه في آذار الماضي قررت الشركة البريطانية بيع عملها في البلاد وقالت إنها تفعل ذلك لاسباب تجارية وليس بسبب الضغط الذي تمارسه عليها حركة المقاطعة.
«صحيح أن حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا تحاول قمع هذه الحركة»، كما جاء في موقع الحركة، «ولكن أكثر 23 ألف شخص قاموا بالتوقيع على عريضة تطالب الامم المتحدة بالاعلان عن حق المقاطعة. أما في «لوس انجلوس تايمز» فقد كتب في الافتتاحية أن مقاطعة اسرائيل هي جزء من حرية التعبير، لذلك فان الدستور يحمي ذلك».
ويتفاخر الموقع بانجازات اخرى منها انهاء التواصل بين أورنج الفرنسية وشركة بارتنر الاسرائيلية، وانهاء عمل مكوروت في مدينة بهيا في البرازيل، وايضا شركات اخرى أنهت عملها في اسرائيل، مثل شركة الحماية البريطانية التي لم تعترف بأنها فعلت ذلك بسبب ضغط حركة المقاطعة. «الحركة تثير الالهام وهي قوية أكثر من أي وقت آخر»، جاء في الموقع.

لا نريد فصلا عنصريا
ايلان بابيه، من الاسرائيليين البارزين الذين يعملون من اجل فرض المقاطعة على اسرائيل، قال إنه لا يفهم عما يتحدث رئيس الحكومة. «حركة المقاطعة قائمة ومتلازمة مع سياسة اسرائيل. مقاطعة اسرائيل تزداد قوة وتعبيرا عن عدم رضا أجزاء واسعة من المجتمع الغربي، بدء من الجالية الاوروبية التي تسم منتوجات المستوطنات ومرورا باتحادات اكاديمية مهمة وانتهاء بشركات وكنائس تقوم بسحب استثماراتها من اسرائيل».
اذا تمت هزيمة الـ «بي.دي.اس» فلماذا تبذل اسرائيل جهودها المالية والقضائية والسياسية الكبيرة في محاربة الحركة؟ سألت جماعة المقاطعة «من الداخل» – مواطنون اسرائيليون من اجل الـ «بي.دي.اس». «إن الموضوع الفلسطيني وحركة بي.دي.اس بقيادة المجتمع المدني الفلسطيني يزداد قوة حتى في الولايات المتحدة»، قال بابيه، «تأييد الحركة واضح في الحزب الديمقراطي وفي حزب السود ضد عنف الشرطة، ونشوء حركة صوت يهودي من اجل السلام. يجب أن نتذكر أن تصريحات مشابهة تم نشرها من قبل نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا قبل سنوات».