لم يسبق أن كان «حزب الله» في وضع أسوأ من هذا

6cbae7d32fc8baa9ff5c4d32260f36d0
حجم الخط

مع ختام عشر سنوات على حرب لبنان الثانية ألقى زعيم «حزب الله»، حسن نصرالله، خطاباً من مخبأه وهاجم السعودية على عملية التقارب مع اسرائيل وتضحيتها بـ «القضية الفلسطينية» كثمن للتطبيع بين الدولتين. وجاء ذلك على خلفية الزيارة العلنية للوفد السعودي برئاسة الجنرال المتقاعد أنور عشقي الى اسرائيل (واتصالات اسرائيلية سابقة مع الامير السعودي تركي الفيصل). وقد بث الخطاب قبل شريط اختطاف ريغف وغولدفاسر في 2006 – كجزء من تعظيم قدرات المنظمة. غير أن الرسالة الخفية التي كشفت هي ان وضع «حزب الله» لم يسبق له أن كان اسوأ من ذلك، ومجرد الربط بين أحداث حرب لبنان الثانية وبين تهجمه اللاذع على السعودية كان مؤشرا الى ذلك.
ان تركيز هجوم نصرالله على السعودية ينبع من صورة وضع اقليمية تشير الى مواجهة اخروية بين دول الخليج السنية وايران، وفي اطارها فقد «حزب الله» جزءا معماً من قدرته ومن سمعته كقوة اقليمية مؤثرة. فمن منظمة تعمل على الوعود «بتحرير فلسطين» يغرق «حزب الله» في معارك في مركز خط المواجهة السنية – الشيعية، وهو مستنزف ونازف في جولات قتالية سيزيفية (عبثية) بينه وبين قوات اسلامية سنية، وكل ذلك لضمان انبوب الاكسجين من ايران عبر سورية الى لبنان، دون أي شهية في الصدام على الطريق مع اسرائيل.
قدامى الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي، قبل حملة سلامة الجليل وفي اثنائها (1982)، يشهدون بان الكثيرين من اولئك النشطاء الشيعة في جنوب لبنان، ممن هم اليوم في ايدي «حزب الله»، عملوا كوكلاء يوفرون للجيش الاسرائيلي المعلومات التي أدت الى احباط العمليات الفلسطينية من جنوب لبنان وادت الى طردهم في نهاية المطاف من لبنان. هؤلاء النشطاء وزوجاتهم القوا في 1982 الورد والارز على طوابير المدرعات الاسرائيلية على سبيل الامتنان لانقاذهم من الاغتصاب والسيطرة على بناتهم وعلى سياراتهم على أيدي «الارهابيين» الفلسطينيين في طريقهم الى «عملية» في اسرائيل. على مدى السنين تحولت القرى الشيعية بتمويل وتنظير ايراني من العضوية في روابط القرى الى منظمة «امل» وبعد ذلك «حزب الله». ورغم التنظير لم يتعامل الشيعة في لبنان مع الفلسطينيين بتعاطف ولم يتطلعوا ابدا الى تحسين وضعهم. ولما كان هكذا، فان ادعاء «حزب الله» «بتحرير فلسطين والقدس» كان ستارا تضليليا ايرانيا يستهدف تخدير الفلسطينيين والعرب السُنة، توجيههم ضد «العدو الصهيوني»، وهكذا صرف انتباههم عن تسلل ايران الى سورية، الى العراق، والى لبنان كجزء من الجهود للسيطرة الاقليمية، بما في ذلك اليمن ودول خليجية اخرى.
ان الانسحاب الاضطراري للجيش الاسرائيلي من لبنان في العام 2000 كان انجازاً لـ «حزب الله»، رغم حقيقة أن الانسحاب كان على أي حال خطوة معروفة مسبقا. لو عمل «حزب الله» انطلاقا من مصلحة لبنانية صرفة، لكان اكتفى بذلك. غير أن زعماءه وكثيرين في العالم العربي،  بمن فيهم الفلسطينيون، انجرفوا نحو فكرة النصر الاسطوري، وعلقوا الامال في أن يحرر «حزب الله» «فلسطين والقدس». أما الضربة التي تلقاها «حزب الله» في 2006 فقد دفعت نصرالله الى الاعلان بانه لو كان يعرف بان هذه ستكون النتيجة، لما دخل في المغامرة. ومنذئذ محفوظ الردع الاسرائيلي امام المنظمة الاجرامية (مثل «حماس» في اعقاب «الجرف الصامد»). اما تدخل «حزب الله» الدموي الى جانب ايران في سورية وفي اليمن وفي دول عربية اخرى فيثير انتقادا متزايدا في الداخل اللبناني، كلما تدفقت الجثامين اللبنانيين وتعاظمت مؤشرات انتقال المواجهات من سورية الى لبنان.
لقد انكشف السر، وتدخل «حزب الله» كأداة قتالية ايرانية ضد الدول العربية السنية اصبح خطرا مكشوفا. والمواجهة السنية  - الشيعية تعرض «حزب الله» كأداة خدمية إيرانية معادية (مثل قطر، «حماس»، «الجهاد الاسلامي» و»القاعدة»). وجعلت هذه المواجهة المشكلة الفلسطينية مصدر اقلاق، أدت الى الغاء مساعدة سعودية بمليارات الدولارات الى لبنان وشددت اقتراب الدول العربية السنية من اسرائيل في ذات قناة المعركة ضد التهديد الايراني – وهذا ما يزعج نصرالله.
وبينما تعرف الدول العربية السنية «حزب الله» كمنظمة ارهابية، يصر النائب ايمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، وبعض من رفاقه على تعريفه كـ «منظمة تحرير».