الحيرة الإسرائيلية بين ترامب وكلينتون

d0c97cf3cdd2c5c7fe3a1d0f8213f727_w800_h400_cp
حجم الخط

تظهر إسرائيل بكامل تناقضاتها وهي تتعامل مع الانتخابات الرئاسية الأميركية. وهي تعكس بهذا التعامل ليس فقط حجم الاستقطاب الداخلي، وإنما أيضاً التوقعات والتخوفات من المرشحين الديموقراطي والجمهوري على حد سواء. ومع ذلك، فإن المزاج الإسرائيلي العام الميال للبلطجة يجد في دونالد ترامب ممثلاً حقيقياً له أكثر مما يجد في هيلاري كلينتون. ويشعر الأميركيون بهذا التناقض ويعبرون عنه بأشكال مختلفة.
وهكذا، فإن رئيس بلدية نيويورك الأسبق، الجمهوري رودي جولياني، حاول في الأسبوع الماضي تظهير هذا الجانب بإعلانه في مقابلة مع «واشنطن بوست» أنه من حواراته مع «أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية»، فإنه يعلم أنهم يفضلون دونالد ترامب على هيلاري كلينتون. وتتسم أقوال جولياني بالصدقية لأنه على الأقل زار إسرائيل قبل شهور، ولأن الكثيرين يعرفون ميول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تجاه الإدارات الجمهورية وخلافاته مع الإدارات الديموقراطية. ومع ذلك، اضطر ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية للإعلان أن لا أساس لكلام جولياني لأن إسرائيل لا تتدخل في الانتخابات الأميركية ولأنها على علاقة جيدة مع الحزبين الأميركيين.
ويستذكر كثيرون الدور الإسرائيلي في انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2012 حينما أظهر نتنياهو تعاطفاً علنياً مع المرشح الجمهوري ميت رومني الذي نافس الرئيس باراك أوباما. وعدا ذلك، فإن أحد أهم رعاة الحملات الانتخابية لنتنياهو، الملياردير اليهودي الأميركي شلدون أدلسون هو أيضاً الممول الرئيس للمرشحين الجمهوريين الأشد تطرفاً، وقد أنفق أكثر من مئة مليون دولار على حملة رومني. وقاد تعاطف نتنياهو العلني مع رومني إلى تعميق أزمة علاقاته مع الإدارة الأميركية برئاسة أوباما. وبالعموم قاد هذا أيضاً إلى توتير علاقات نتنياهو مع الحزب الديموقراطي الذي لحظ أن نتنياهو يتصرف وكأنه أحد المحافظين الجدد.
ويلحظ المراسل السياسي لموقع «والا» أمير تيفون أن إحساس نتنياهو بغضب الحزب الديموقراطي منه قاده هذا العام إلى عدم حضور المؤتمر السنوي لمنظمة «إيباك» بسبب مشاركة المرشحين للرئاسة الأميركية فيه. ولكن تظاهر نتنياهو بالحيادية لم يلغ واقع ميل نتنياهو للجمهوريين عموماً، وبضمنهم المرشح الأشد إثارة للجدل في تاريخ الانتخابات الأميركية دونالد ترامب.
ويرى نداف إيال في «يديعوت أحرنوت» أن الإسرائيليين جاهزون لترامب لأنهم يرون أنه على شاكلتهم. وكتب أن الإسرائيليين «يفهمون ترامب بأفضل ما يكون. وهم يفهمونه أكثر لنوع السياسة التي يدعو لها - جارفة، جزارة واستفزازية - وهي سياستنا منذ عشرات السنين». وأشار إلى أن من السهل للإسرائيليين فهم ترامب، «فعندنا أيضاً لا يقاس السياسيون بالحقائق ولا يمسك بهم لكذبهم. فالأكاذيب ليست قصة كبيرة في سياستنا، خلافاً للسياسة الأميركية قبل ترامب... عندما تنكث الوعود صراحة، تهز أكتافنا بيأس، فكل رؤساء الحكومات عندنا من اليمين واليسار، عرفوا كيف يفعلون عكس ما وعدوا به».
وفي كل حال، فإن ترامب أعلن نيته زيارة إسرائيل قبل أن يعلن موقفه العدائي من المسلمين ودعوته لعدم السماح لهم بدخول أميركا. وعلى الرغم من التقارب الفكري بين الرجلين، اضطر نتنياهو لإعلان «تحفظه» من مواقف ترامب تجاه المسلمين والقول بأن لقاءه بترامب لن يمثل تعاطفاً مع آرائه. وقاد هذا إلى إعلان ترامب إلغاء زيارته المقررة إلى إسرائيل موحياً بأنه لم يكن مناسباً من نتنياهو أن يوجه له انتقادات خصوصاً أنه يعلم في قرارة نفسه أن نتنياهو يوافق على موقفه من المسلمين.
وتحدث بعض المعلقين في إسرائيل عن أن شرخاً قد وقع بين نتنياهو وترامب جراء هذا الانتقاد. ولكن هذا النوع من الحديث كان في بداية حملة ترامب الانتخابية، وتقريباً توقف بعدما صار ترامب مرشحاً رسمياً للحزب الجمهوري. وقد تناقضت الأنباء بشأن نية شلدون أدلسون دفع عشرات ملايين الدولارات لحملة ترامب. البعض قال إنه سوف يدفعها بسبب خصومته مع هيلاري كلينتون والديموقراطيين، وآخرون قالوا إن أدلسون لاعتبارات مختلفة لم يدفع لترامب مبالغ كبيرة حتى الآن. في كل حال، يؤكد إسرائيليون كُثر أن نتنياهو يضطر، كما في العادة، لتوجيه الدفة وفق رياح أدلسون. ولكن أيضاً هناك أصحاب رؤوس أموال يهودا من الداعمين لنتنياهو ولإسرائيل يقفون موقفاً معادياً من ترامب حتى وهم يعتبرون أنفسهم جمهوريين. وربما أن هذا يزيد في حيرة نتنياهو.
ومعروف من الجهة الأخرى أن علاقات كلينتون، حينما كانت وزيرة للخارجية الأميركية، مع نتنياهو لم تكن على ما يرام. ونتنياهو يرى في كلينتون امتداداً لإدارة أوباما الديموقراطية. والكل يتذكر ما جرى بين أميركا وإسرائيل في العام 2010 بسبب الاستيطان الإسرائيلي والانتقادات الشديدة التي وجهتها كلينتون لنتنياهو وصراخها عليه. وعدا ذلك هناك من يعيد التوتر في العلاقات بين كلينتون ونتنياهو إلى عهد زوجها بيل في الإدارة الأميركية حينما ساعد إيهود باراك في هزيمة نتنياهو في انتخابات العام 1999. وعلى الرغم من ذلك تواصل كلينتون التعهد بدعم إسرائيل وأمنها.
وأيا يكن الحال، فإن ترامب بدأ يعمل في إسرائيل من أجل ضمان إقناع يهود أميركا بالتصويت لصالحه. وقد افتتح رسمياً حملته الدعائية لكسب أصوات الإسرائيليين من حملة الجنسية الأميركية. ويأمل ترامب أنه عن طريق كسب أصوات يهودية في إسرائيل يمكنه أن يحسم الميل المعهود لليهود الأميركيين نحو الحزب الديموقراطي ويغير نمط تصويتهم.
وترامب يستغل في هذا الشأن ما جرى من إحراق لعلم إسرائيل في مؤتمر الحزب الديموقراطي وأيضاً مواقف بيرني ساندرز. وتقوم استراتيجية ترامب تجاه اليهود على قاعدة أن «أقرب طريق لصوت اليهود في أميركا، هو ذاك المار بإسرائيل». تجدر الإشارة إلى أنه يعيش في إسرائيل عدة مئات ألوف من اليهود الذين يحملون الجنسية الأميركية.