قلق اقتصادي "حقيقي" في اسرائيل: صفر نمو وهجرة أدمغة وإدارة سيئة

d0c97cf3cdd2c5c7fe3a1d0f8213f727_w800_h400_cp
حجم الخط

وجّه عددٌ من كبار قادة الاقتصاد الإسرائيلي رسالةً إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أبلغوه فيها خشيتهم من المستقبل الاقتصادي للدولة العبرية. وتعّبر هذه الخشية عن الواقع السيئ الذي يعيشه الاقتصاد الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة، الذي يتراوح فيه الأمر بين النمو السلبي إلى عدم تحقيق أي نمو فعلي.
ووجّه الرسالة كل من رئيس "اتحاد الصناعيين"، شرجا بروش، ورئيس "اتحاد المزارعين"، دوبي أميتاي، ورئيس "اتحاد المصارف" يائير سروسي، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين الاقتصاديين. وطلب هؤلاء في رسالتهم من نتنياهو إعادة تحديد أهداف النمو السنوي في إسرائيل وإعادة النظر في الإدارة العامة الاقتصادية والاجتماعية للاقتصاد الإسرائيلي.
وشدّد هؤلاء في رسالتهم على أن غياب الإدارة الاقتصادية السليمة يشكل خطراً على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للدولة العبرية. وقالوا "إننا نتوجه إليك من منطلق القلق الحقيقي على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي لدولة إسرائيل، ومن منطلق الإيمان أنه بقوى مشتركة نستطيع حثّ مستقبل ثمانية ملايين مواطن".
وعدّد قادة الاقتصاد الإسرائيلي في رسالتهم أسباب وصول إسرائيل إلى الوضع الاقتصادي السيئ الحالي، وبينها "التشدد في الأنظمة، وخطوات مسّت بشكل متطرف بالملكيات الخاصة، وغلاء تكلفة الانتاج، وموجة لم يسبق لها مثيل في العالم من التشريعات الخاصة، التي حوّلت الاقتصاد الإسرائيلي إلى أحد الاقتصاديات الأصعب في إدارة الأعمال".
وأضافت الرسالة أنه "في كل فروع القطاع التجاري، يوجد ميلٌ يتعاظم إلى نقل النشاطات إلى خارج إسرائيل. والأسوأ من ذلك، أنه بسبب الدخل المتدني في إسرائيل مقارنةً بالدول المتطورة، فإن جماعات قوية ومتعلمة، تختار أن تنقل مركز إقامتها إلى خارج إسرائيل، حيث أن ميولاً كهذه خطيرة على المستقبل الاقتصادي والاجتماعي لإسرائيل".
ومعروف أن الاقتصاد الإسرائيلي يمرّ منذ أعوام بحالة ركود غير معلنة. وأشارت الإحصائيات إلى أن نسبة النمو في الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات الثلاث الماضية كانت بحدود 2.5 في المئة والتي تعني عملياً نمو بنسبة صفر في المئة مقارنةً بالزيادة السكانية السنوية. وإذا قورنت إسرائيل بالدول الغربية، فإن النمو يغدو متراجعاً، خصوصاً أن إسرائيل في العقد الماضي حققت قفزات بسبب ما كانت تبلغه من نسبة نمو تتراوح بين 4 - 5 في المئة وأحياناً أكثر.
وتعني نسبة نمو 2.5 في المئة أن الاقتصاد الإسرائيلي يعجز عن رفع الأجور أو تحسين مستويات المعيشة. ومعروفٌ أنه قبل بضع سنوات، تنامت حركة اجتماعية واسعة في إسرائيل كادت تسقط النظام القائم لأسباب اقتصادية. لكن بطريقة ما، تم احتواء تلك الحركة ولم يعد أحد يسمع عنها شيئاً، رغم أن تغييرات جوهرية لم تحدث. كل ما حدث هو أن قطاعات واسعة من الشباب الإسرائيلي صارت تفضل السفر إلى دول أوروبية، وخصوصاً ألمانيا، للعمل والاستقرار فيها. كما أن الكثير من المهاجرين الروس صاروا يعودون إلى روسيا، خصوصاً في ظل إجراءات تنفذها حكومة فلاديمير بوتين لاجتذابهم وتشجيعهم على الاستقرار هناك.
وتتحدث تقارير واسعة عن فرار الأدمغة من إسرائيل. وهكذا فإن صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية نشرت قبل أيام أن عدد الأكاديميين الذين يهجرون إسرائيل زاد في العام 2015 بـ1076 شخصاً عما كان عليه في العام 2014 وأن هذه زيادة مضطردة بنسبة أربعة في المئة. وتتنافى هذه الزيادة مع الخطة التي كانت أعلنتها الحكومة الإسرائيلية في العام 2010 لمنع فرار الأدمغة. وتظهر المعطيات أنه منذ العام 2012، تم تسجيل زيادة بنسبة 12 في المئة في عدد الأكاديميين الإسرائيليين المقيمين في الخارج. وحالياً، فإن واحداً من كل ثلاثة ممن نالوا الدكتوراه في إسرائيل يعيشون خارجها، وحوالي ربع الحاصلين على الدكتوراه في الرياضيات و18.3 في المئة من الحاصلين على الدكتوراه في علم الحاسوب، و17.5 في المئة من حملة الدكتوراه في البيولوجيا والهندسة الجوية.
وكان رئيس مصرف "ليئومي"، دافيد برودت، قد حذّر من أن تركيز الحكومة على مشكلة الإسكان قادها إلى تجاهل التحديات الأهم التي تواجه الاقتصاد الإسرائيلي. وشدّد على أن هذه المشكلة تستنفد جهوداً أكبر كان ينبغي أن توجه لحل المشكلات الحقيقية الأساسية التي فيها مستقبل الشباب الإسرائيلي. أما البروفيسور لياو لايدرمن، وهو كبير اقتصاديي مصرف "هبوعليم"، أشار إلى أن وتيرة النمو المنخفضة في إسرائيل تتواصل، وإذا لم يطرأ تغيير حاد في الأيام المقبلة، فإن الاقتصاد سيسجل نسبة نمو سلبية قريباً. وشدّد لايدرمن على أن نسبة النمو الطبيعي في إسرائيل هي اثنان في المئة، وبالتالي كل نمو أقل من ذلك يجعل النمو سلبياً. وفي نظره، الاقتصاد الإسرائيلي قريب جداً من دخول حالة ركود، لأن نسبة النمو الفعلي كانت أقل من واحد في المئة. وأوضح أن بين علائم التراجع انخفاض الصادرات الإسرائيلية بنسبة 13 في المئة.
والمشكلة أن علائم الركود تأتي في ظل أوضاع سيئة للخزينة الإسرائيلية المتوقع أن تضطر في العام 2017 إلى إجراء جملة تقليصات واسعة لردم الهوة بين المداخيل والنفقات. وقد يدفع هذا الركود إلى فرض المزيد من الضرائب، ما يقود إلى إعادة إنعاش الاحتجاجات الاجتماعية.
في كل حال، تظهر معطيات اقتصادية أن الركود ليس فقط مجرد نظرة إجمالية، وإنما هو واقع معاش لكثير جداً من العائلات الإسرائيلية. وبحسب الإحصاءات، فإن 30 في المئة من البيوت سجلت ديناً استهلاكياً بلغ 25 ألف دولار في المتوسط. وهذا يعني أن استمرار هذه الحال، يقود إلى توسيع دائرة المدنيين العاجزين عن سداد ديون تكاليف المعيشة، ما يفرز حراكاً اجتماعياً تحاول إسرائيل تجنبه طوال الوقت.