العنصرية الإسرائيلية ضد المهاجرين الإثيوبيين: أين اختفت الشرطة؟!

large-1179621454180206070
حجم الخط

تعرفتُ في السنوات الأخيرة أكثر فأكثر إلى إخواني اليهود سليلي اثيوبيا.
صديق عزيز فتح لي كوة على المشاعر التي تسود أبناء الطائفة، المآسي العائلية القاسية التي شهدها بعضهم اثناء هجرتهم الى البلاد، واللقاء المعقد جدا مع المجتمع الاسرائيلي، مصاعب الاستيعاب، المصاعب الاقتصادية وظواهر التمييز والعنصرية الخطيرة التي تنبع معظمها من لون جلدتهم.
تعرفت إلى المزيد فالمزيد من الاشخاص، بعضهم نشطاء اجتماعيون، واطلعت أكثر فأكثر على التواضع، النبل، الرفعة وكذا الافتخار العميق لسليلي اثيوبيا بتراثهم وثقافتهم الرائعة.
الى جانب ذلك تعرفت إلى أنه من تحت السطح تعتمل عاصفة شديدة، ولا سيما في أوساط الجيل الشاب، ويجري صراع بين اولئك الذين يحاولون خوض حوار فاعل ومثمر مع الحكومة في محاولة لاحداث تغيير عميق وعريض في موقف الدولة من سليلي اثيوبيا وبين اولئك الذين لا يؤمنون بالحوار ويتبنون نهج «قلب الطاولة»، بكل معنى الكلمة، كي يحظوا بالانتباه ويحدثوا التغييرات اللازمة، وهم كثير.
الحكومة وقيادة نتنياهو اتخذت ظاهرا خطوة سليمة وشكلت لجنة للقضاء على العنصرية ضد سليلي اثيوبيا، وتقف على رأسها المديرة العامة لوزارة العدل ايمي فلمور.
بل سار شوطا بعيدا ونقل تنسيق عموم العناية بالموضوع إلى ديوان رئيس الوزراء وقال عدة اقوال مهمة جدا في هذه المسألة الاليمة.
قرأت تقرير لجنة فلمور بعناية شديدة، أخذت الانطباع بأن الفريق قام بعمل جذري، معمق ونوعي جدا، وتبلورت خطة عمل شاملة تتعلق بكل الوزارات الحكومية ذات الصلة.
ولكن بمراجعة التقرير وصيغة «اقتراح المقررين» الذي يفترض بالحكومة أن تقره وتجعله قرارا حكوميا، عرفت بأنه توجد مشكلتان جوهريتان وعميقتان من شأنهما أن تلقيا ظلالا شديدة على القدرة لاحداث تغيير حقيقي.
الاولى: وهي الأفضل في نظري، هي انعدام التعاون بين وزارة الامن الداخلي وسلطة اسرائيل وبين اللجنة وقراراتها.
ففي تقرير اللجنة 53 توصية، 15 منها تتعلق بشرطة اسرائيل، وفي اقتراح المقررين للحكومة اغفلت في واقع الامر كل الـ 15 توصية المتعلقة بالشرطة.
ولا شك بأن الامر يثير التساؤلات بل يقلق، وذلك لان جزءا كبيرا – ولعله الحاسم – في المشاعر القاسية لسليلي اثيوبيا يأتي من الاحتكاك الاشكالي جدا مع الشرطة.
ان اغفال البنود المتعلقة بالشرطة عن اقتراح المقررين يثير حقا شبهات كثيرة بين أبناء الطائفة.
الثانية: والتي لا تقل أهمية هي غياب مادة مالية واضحة توضح مصادر التمويل للخطة في الوزارات الحكومية المختلفة المسؤولة عن تنفيذ الخطة.
ويلقي اقتراح المقررين على وزيرة العدل مهمة الاهتمام بالموضوع في مداولات الميزانية مع وزارة المالية، دون تحديد زمني واضح.
ليس واضحا أيضا كيف ستبحث شكيد في مطالب الشرطة أو وزارات حكومية اخرى.
من تجربتي عرفت ان العديد من اقتراحات المقررين، التي لم يكن فيها مادة مالية واضحة ومتفق عليها من قسم الموازنات في المالية، اصبحت قرارات حكومية عقيمة لم تنفذ.
هكذا من شأن أجزاء واسعة من خطة العمل النوعية والشاملة التي أوصت بها اللجنة ان تتبدد.
في مثل هذا الوضع وحين لا تنتهي المشاعر القاسية التي تسود في أوساط 140 الفا من سليلي اثيوبيا، لن ينتهي الإحباط والمرارة لدى أبناء الجيل الشاب الذي يتطلع الى التغيير وستزداد الرغبة لاتخاذ اعمال احتجاجية شديدة، بل ربما «قلب الطاولة» والصدام من أجل نيل الاذن الصاغية.
ان عمل اللجنة وتوصياتها توفر امكانية حقيقية لتغيير الوضع، وآمل بأن يصر رئيس الوزراء على أن تتعاون الشرطة ووزارة الامن الداخلي بشكل كامل مع قرارات اللجنة، حتى وان كانت الشرطة تدعي بأنها سبق أن اتخذت اعمالا كهذه، فيجب أن تنعكس بالشكل الاوضح في التقرير وفي اقتراح المقررين.
آمل أن تنطلق خطة العمل المهمة التي وضعتها اللجنة على الدرب، وكلما كان أبكر كان افضل.
كما آمل أن تكون هذه بداية ترسم الطريق لمعالجة ظاهرة العنصرية بعمومها في دولة إسرائيل.