تقترب أميركا من ساعة الاختيار بين إثنين من المرشحين لا ثالث لهما، ترامب الجمهوري وكلينتون الديمقراطية. وكلاهما له بصمة وعلامة فارقة في الانتخابات لموقع الرئيس الاميركي ال45. هيلاري كلينتون، هي المرأة الاولى في تاريخ أميركا، التي تترشح للرئاسة، وهي زوجة رئيس سابق للولايات المتحدة، ولم تدخل سيدة بموقعها قبلها معترك الانتخابات. لكنها إسوة بنساء سبقنها، إحتلت موقع وزيرة خارجية اميركا، وبات لها رؤيتها وقراءتها لخارطة االقوى المؤثرة والفاعلة في صناعة القرار الاميركي وايضا تعاملت مع قضايا الصراع في العالم بقاراته المختلفة. أما رونالد ترامب، فهو المرشح الجمهوري، الذي إخترق قواعد اللعبة في الترشح للرئاسة، وفرض نفسه على الحزب، الذي لم يجد مفرا من القبول بترشحه، ولم يعتمد المليونير ترامب على اموال الدعم لحملته الانتخابية، ولهذا كان رصيده في اوساط قاعدته الجماهيرية ثابتا او في تزايد، وهو ما اكدته التطورات في رحلة المنافسة مع المرشحين الاخرين، حيث اطلق العديد من المواقف العنصرية الفجة ضد المسلمين والمكسيكيين وكل اللاتينيين من اميركا الجنوبية، وحتى في الشأن الداخلي ومع ذلك لم تتراجع شعبيته. وهو المرشح الاول الذي يُّهاجم بشكل مباشر من رئيس حاكم، وهذا لم تشهده وفق المعلومات الاميركية اي حملة انتخابات سابقة. لاسيما وان هناك فرقا بين تأييد رئيس حاكم لممثل حزبه وبين الهجوم السافر على مرشح الحزب الاخر.
هذه المفارقات لم تغير من واقع الحال القائم، مرشحان كل منهما له إيجابياته وسلبياته بالنسبة للناخب الاميركي. ولا يتميزا كثيرا عن بعضهما البعض، وان كانت شعبوية وإنعزالية ملك العقار ترامب أكثر وضوحا. لكنه ليس كما يقول الكثير من المراقبين السياسيين والاعلاميين"أنه جاهل"، لا ليس جاهلا ولا اميا في علم السياسة. رجل يملك امبراطوريةمن المال والمكانة والثقل الاقتصادي في الساحة الاميركية، لا يمكن ان يكون جاهلا بغض النظر إن كان المرء يتفق او يختلف معه في موضوعات الحياة والصراع الدائرة داخل او خارج الولايات المتحدة. ولكن إن قدر لهذا الرجل المتعصب قوميا لاميركيتة، ان يفوز بالانتخابات الرئاسية في الثامن من نوفمبر القادم، فإن المشهد الاميركي سيتغير كثيرا، وستحدث نقلة نوعية على المستويين الداخلي والخارجي. وبالضرورة ستؤثر تلك التغييرات على مواقع الصراع وخارطة القوى في القارات الخمس بما في ذلك داخل الولايات الاميركية الخمسين. لكن من المؤكد ان ترامب لن يحيد عن مصالح الولايات المتحدة، بل سيتخندق دفاعا عنها بكل قوة ووفق معايير اميركا ومؤسساتها المؤثرة في صناعة رموزها وقرارها. ومن المؤكد، ان مواقفه المتطرفة تجاه المسلمين والمكسيكيين قد تشهد تطورا نسبيا لجهة التراجع، ليس لانه غير مواقفه، إنما لان مصالح اميركا ستملي عليه إعادة النظر. لانه إن كان فعلا مؤمنا بقوميته الاميركية، ومتعصبا لها، فبالضرورة سيغير نسبيا من تزمته وعنصريته. لانه لو مضى فعلا في توجهاته بطرد ملايين المكسيكيين والمسلمين فعلى اميركا السلام، وستفقد مكانتها المركزية في العالم، بغض النظر عن رغبات ونوايا ترامب ومن لف لفه.
اما هيلاري كلينتون، فهي وان كانتسابقا في مواقع صناعة القرار، وتعي ابعاد القفز على الحبال بما يخدم مصالحها الخاصة، فهي بتحالفاتها، التي نسجتها عشية حملتها الانتخابية، رهنت نفسها سلفا للوبي الصهيوني (الايباك) ولكارتيل السلاح، وباتت اسيرة لدفع فواتير بيع نفسها لمن مول وساند حملتها الانتخابية. ومن الان بدى واضحا توجهها تجاه مسائل الصراع الاقليمية والدولية. بالتأكيد لن تكون نسخة كربونية عن الرئيس اوباما ولا عن الرئيس الاسبق، بيل كلينتون زوجها، بل ستحاول ان تصنع بصمتها الخاصة في العديد من المسائل الداخلية والخارجية. ولكن مع تعقد عمليات الصراع في الشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا واوروبا وتركيا وروسيا واميركا اللاتينية، فإن قدرتها على إدارة الصراع كما يجب أمر يحتاج للتدقيق فيه. وقد تأخذ اميركا نحو مغامرات غير محسوبة النتائج إسوة بمنافسها ترامب.
وكلاهما لن يغير من سياسات اميركا تجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. وقد تكون المعادلة الوحيدة الثابتة في السياسة الاميركية.
أميركا من الان تقف على مفترق طرق صعب وقاس. واحلى خياراتها مر. ومستقبلها على كف عفريت، وبالتالي مستقبل العالم مجهول وغير معلوم. وكل السيناريوهات ممكنة من اسوأها إلى الاقل سوءا.