ليس هناك شك ان موافقة الرئيس عباس على اجراء الانتخابات المحلية في موعدها المحدد ، اي في اكتوبر المقبل، كما ورد في المرسوم الذي اصدره رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله ، لاشك انه لم يأخذ بعين الاعتبار ان حركة حماس ستوافق على المشاركة في هذه الانتخابات سواء كان في غزة او الضفة. على ما يبدوا التقدير كان هو ان حماس سيكون موقفها من هذه الانتخابات المحلية كما كان في عام ٢٠١٢ عندما امتنعت عن المشاركة فيها في الضفة و منعت اجراءها في غزة.
موافقة حركة حماس غير المحسوب فتحاويا، شكل صدمة لقيادة حركة فتح التي تعرف انها غير جاهزة في الوقت الحالي للدخول في معركة من هذا النوع قبل ان ترتب وضعها الداخلي، سواء من خلال اجراء مصالحات داخلية اولا، رغم ان هناك من يصر انها غير موجودة و يتعامى عنها، لا بل يسعى الى تعزيزها بغض النظر عما تسببه من نزيف قاتل للحركة و تاريخها و ارثها الوطني و النضالي، و التلكؤ في عقد المؤتمر السابع كاستحقاق لابناء حركة الفتح و الذي كان من الفترض ان يعقد في ٢٠١٤، و الاكثر من ذلك ، بل الاهم من كل ذلك ان قرارات المؤتمر السادس في غالبيتها العظمى ليس فقط لم يتم تنفيذها ، بل تم اتخاذ قرارات تتناقض مع روحها و جوهرها في ظل غياب الدور الفاعل للجنة المركزية و المجلس الثوري الذي على ما يبدوا بُحت حناجر ابناء فتح من اجل ان تقوم تلك المؤسسات الهامه في دورها القيادي دون جدوى.
لكن الزمن لا ينتظر حركة فتح الى ان تفيق من غفوتها الطويله في ظل وجود حركة حماس التي تشكل منافس حقيقي لحركة فتح في كل الميادين، بل تتفوق عليها في بعض الاحيان بحكم اختلاف التركيبة التنظيمية و الفكرية و الايديولوجية لكلا الحركتين ، خاصة فيما يتعلق بالالتزام الحديدي دون نقاش في قوائم الحركة لدى حركة حماس، عدم الالتزام في قوائم الحركة يصل الى التكفير و خيانة الدين ليس فقط خيانة الحركة و انظمتها.
في حركة فتح الامور تختلف كثيرا ، تحتاج الى جهد اكبر لاقناع عناصرها و كوادرها في قوائم المرشحين الذين يطالبون بأن يكونوا شركاء في تشكيل هذه القوائم و على اوسع نطاق ممكن. مقابل التزام عناصر حماس التنظيمي بقوائم الحركة ، حركة فتح تعتمد على استنفار القبيلة التي تعاني من الفرقة و النزاعات الداخلية في مركباتها المختلفه و لكن عندما يكون هناك خطر خارجي تجد الجميع يتوحد من اجل دحر هذا الخطر ، هكذا كانت فتح على مدار نصف القرن الاخير و هكذا ستبقى .
الشعور بالخطر الحقيقي على فتح و مكانتها و مستقبلها في ظل موافقة حركة حماس ، التكتيكية الذكية حسب وجهة نظري، هو الذي دعى كوادر و قيادات حركة فتح ، و الذين يطلق على تسميتهم ظلما ( بالمتجنحين) او بكلمات اخرى المقربين من القيادي السيد محمد دحلان او تيار محمد دحلان وهم من خيرة ابناء حركة فتح و كوادرها المميزين ، هذا ما دعاهم للاعلان بشكل فوري وسريع بانهم سيضعوا خلافاتهم جانبا، و سيكونوا جنود في هذه الحركة جنبا الى جنب مع اخوتهم المختلفين معهم من اجل انجاح القوائم التي سترشحها او تدعمها قيادة حركة فتح.
هؤلاء لم يكترثوا لبعض الاخبار المسمومه و من صفحات مشبوهه، و بعض التصريحات لبعض المسؤولين بأنه سيكون هناك تحالف بين حماس و ( جماعة دحلان) ضد قوائم حركة فتح، الهدف من هذه الاشاعات التي تم دحضها و ردها كالسهم الى صدور صانعيها، ومروجيها هو اولا انتزاع الصفة الفتحاوية عن هؤلاء الكوادر و القيادات من خلال تحالفهم ( الوهمي ) مع حركة حماس، وثانيا لانهم مهزومين ولا يشعرون بالخجل اذا ما انهزمت حركة فتح، فيريدون ان يحملوا هذه الكوادر و القيادات و على رأسهم السيد دحلان مسؤولية هذة الهزيمة من خلال تحالفهم مع حركة حماس.
كان بالامكان ان تجد هذه الكذبة مكانة لها في الجدل الفلسطيني الداخلي لولا الموقف الحاسم و القاطع الذي عبر عنه السيد دحلان في اكثر من مناسبة، و الكلام الواضح و الصريح الذي عبر عنه السيد سمير المشهرواي في مقابلة مطولة قطعت الشك باليقين، بانه لن يكون هناك تحالف مع حركة حماس سواء في هذة الانتخابات او في انتخابات مستقبلية، ليس لاننا نعتبر حركة حماس عدو، حركة حماس هي خصم سياسي عنيد لحركة فتح لها حضورها الواسع في الشارع الفلسطيني.
و الامر الاخر هو لن يكون هناك قوائم مستقلة تنافس في هذه الانتخابات، لكي لا تكون سببا في اضعاف القوائم التي تشكلها او تدعمها حركة فتح . و الامر الثالث ان هذه الكوادر و القيادات تريد ان تكون شريكة فاعله في هذه المعركة جنبا الى جنب مع كوادر وقيادات الحركة، وهذا ليس موقف تكتيكي او ناتج عن ضعف، بل موقف نابع من الشعور بالمسؤولية الوطنية و الاخلاقية و الانتماء الصادق لهذه الحركة و تاريخها النضالي.
على الرغم من ذلك، هناك على ما يبدو من ليس لديه هذا الشعور بالمسؤولية، ولا يترك مناسبة الا ويحاول فيها زيادة الفرقة بين ابناء الحركة، حتى عندما تكون هناك معركة هامه على الأبواب ستخوضها الحركة، و تحتاج الى لغة تؤلف بين القلوب و تدعو لنبذ الفرقة.
ما حدث في طولكرم، رغم انني لا اعرف التفاصيل و لا اريد ان اعرفها، لانها غير مهمة، لكنها بلا شك لا تساعد حركة فتح في شحذ همم ابناءها، وجيد انه تم تطويق الحدث باسرع وقت ممكن.
و ما قاله عضو اللجنة المركزية لحركة فتح السيد جمال محيسن، على الاقل هكذا نقل عنه، وفي اجتماع لاهم كوادر الحركة في محافظة نابلس، حيث كان الهدف من هذا الاجتماع ترتيب وضع الحركة و تنظيم صفوفها وتشكيل اللجان، يقول في هذا الاجتماع ان هناك قرار بفصل القيادية في حركة فتح و عضو المجلس التشريعي الاخت نجاة ابو بكر، ومعها ثلاث قيادات اخرى لم يذكرها بالاسم، على ما يبدوا لكي يعتقد كل كادر او قيادي انه من ضمن الذين يشملهم قرار الفصل، ولكي يكون الضرر على اوسع نطاق ممكن . ما هذا الذكاء؟ ، ما هذه العبقرية؟
و لكي يكون الضرر اكبر بكثير، و بدل ان يتم محاصرته بدأت الاشاعات المستمرة حتى هذه اللحظة دون ايجاد اجابة صريحة وواضحة، ما اذا كان فعلا تم فصل الاخت نجاة و اخوة اخرين ام لا؟
ما هو اكيد هو ان لا احد اتصل مع الاخت نجاة لكي يبلغها انه تم فصلها ام لا و لماذا. و لم يتصل احد بالاخوة او الاخوات الذين تتردد اسمائهم او الحديث عنهم . لم يصدر اي بيان بالنفي او التأكيد من اي جهة رسمية تؤكد او تنفي حتى كتابة هذه السطور.
و الاهم من ذلك ان النظام الداخلي لحركة فتح والقانون و العدالة ليس لهم وجود في عقلية البعض، وهناك من يتعامل مع حركة فتح انها شركة خاصة و ليست حركة نضالية ثورية يستطيع ان يطرد منها من يشاء دون حتى سؤال كما حصل في السابق ، بما فيهم ما حصل معي شخصيا. بالنسبة لهم النظام الداخلي و قوانين الحركة غير موجودة و لا احد يسأل و لا احد يعارض ، يعتمد على ان الجميع سيصادق و لن يجرؤ على قول كلمة الحق، او يسأل اذا كان هذا الاجراء اذا ما اخذ فعلا اتبعت خلاله الاجراءات الصحيحه من استدعاء و تشكيل لجنة و منح الحق للعضو في الدفاع عن نفسة و الذي اخر اجراء ممكن يتخذ بحق العضو هو الفصل من الحركة. نحن في زمن يفصل فيه العضو حتى وان كان قائد مضى على انتمائة لهذه الحركة خمسة عقود على الاقل، يفصل بجرة قلم.
على اية حال، ورغم هذه المنغصات التي من المفترض ان لا تحرف البوصلة ، التوقع و الامل الذي يصل الى حد الرجاء ان تتعالى حركة فتح على جراحها و تعمل على قلب رجل واحد من اجل الحفاظ على هيبة هذه الحركة و تاريخها النضالي الطويل. لا مجال سوى ان تعلن قبيلة فتح بكافة مشاربها الاستنفار العام لكي تحافظ على نفسها كتنظيم طليعي رائد لهذه الحركة الوطنية.
هل هذا الامر ممكن؟ اكيد طبعا، فقط عندما يدرك ابناء فتح و كوادرها و قياداتها ان الكرة في ملعبهم . هم الذين يحددون حجم الانتصار في هذه المعركة الانتخابية غير الاستراتيجية، لكنها امتحان مهم . وهم الذين يستطيعون ان يقدموا هدية اخرى لحركة حماس كما فعلوا في الانتخابات التشريعية عام ٢٠٠٦ عندما كان احد الاسباب لفوز حماس في هذه الانتخابات هو نتيجة تأخر حركة فتح في الاستعداد لهذه الانتخابات اضافة لعدم الالتزام الحديدي بقوائم الحركة كما حدث مع حركة حماس.