الانتخابات المحلية التي تم التوافق الفصائلي على إجرائها في موعدها المقرر حسب القانون ، هي في شكلها الرسمي استحقاق وطني للمواطن الذي عليه يقع مهمة اختيار المجالس البلدية التي ستقوم على خدمة مناطقها ويقع عليها مسؤولية مواجهة الأزمات بألوانها وأسبابها المختلفة .
ولكن هل هذه الانتخابات المحلية في هذا التوقيت المعقد بالذات لا تعدو كونها انتخابات خدماتية فقط ؟ أم لها أبعادا أخرى لابد من الإشارة إليها ولا تقل أهميتها عن الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة ؟؟
والسؤال الآخر لماذا وافقت حركة حماس على المشاركة فيها فضلا على إجرائها في قطاع غزة أيضا الواقع تحت سيطرتها ؟ ولماذا منحت الحكومة عبر لجنة الانتخابات المركزية كل التسهيلات وقدمت إجابات مهمة ساهمت في إقناع حركة حماس يمكن تسميتها " تنازلات مهمة " كانت حركة حماس تنتظرها منذ زمن ، منها الاعتراف بالمحاكم القائمة في قطاع غزة كمرجعية قانونية للعملية الانتخابية والموافقة على إشراف الأجهزة الامنية في غزة على تنظيمها وحمايتها والاعتراف بالمجالس المنتخبة بغض النظر عن النتائج ومعاملتها كمثيلاتها في الضفة الغربية وغيرها من هذه الضمانات التي أعطيت لكل الفصائل ..؟؟
كل فريق له حساباته الخاصة به على اعتبار أن هذه الانتخابات لها ما بعدها ، وهي تؤسس كبداية لمرحلة قادمة ، كما حدث قبل عشر سنوات حيث كانت البداية من الانتخابات المحلية وانعكست نتائجها على الانتخابات التشريعية ..
حركة فتح ومعها الحكومة تعتبر أن هذا استحقاق لابد منه ، ويمكن لهذه الانتخابات ان تكسر حالة الجمود التي وصلت إليها الأوضاع ، ويمكن استغلال حالة عدم الرضى الشعبي عن الخدمات المقدمة في قطاع غزة ، وبالتالي تحقق حركة فتح وقوائمها انتصارا يعيد لها الثقة المفقودة ، ويمنحها القوة لتتقدم خطوة في قطاع غزة ، وتسترد الحكومة سيطرتها على قطاع مهم وتشكل اختراق في متابعتها لشئون المواطنين ..
أما حركة حماس فهي حققت نتائج مهمة لهذه الانتخابات قبل ان تبدأ أهمها تحقيق اعتراف رسمي بالواقع الفاعل في قطاع غزة ، ولطالما طالبت حركة حماس من حكومة التوافق التواصل مع الأجهزة العاملة في قطاع غزة ولو بشكل مؤقت الى حين تحقيق التوافق الوطني العام " المصالحة " ، وكان الرفض المطلق من الحكومة في رام الله ،، اليوم تم تجاوز هذه الإشكالية المهمة من خلال الانتخابات المحلية ،، وحماس التي تتحمل مسئولية تقديم الخدمات لجمهور قطاع غزة في ظل الحصار الخانق شكل هذا عليها ضغطا هائلا وقد آن الأوان ان يساعدها الطرف الآخر في تحمل المسئولية ..
وعندما تعلن حركة حماس أنها قررت خوض الانتخابات عبر تشكيل قوائم تضم شخصيات ذات كفاءة ومصداقية وقادرة على تحمل المسئولية وليسوا ضمن صفوف الحركة ، تكون بذلك حققت عدة أهداف بضرية واحدة ،، منها أنها تقدم نفسها للجمهور الفلسطيني بثوب جديد ليس كما عهدها في الانتخابات السابقة ، وسيجد الناخب نفسه أمام شخصيات ليست حمساوية مجردة بل وطنية لا غبار عليها ، وهذا سيقلل من نسبة الغضب الشعبي لان الطرف المرشح ليس هو العنوان لتوجيه الغضب ،، أما الهدف الثاني فهو رسالة للمراقبين الدوليين بأن الحركة يمكن ان تتعامل بانفتاح مع شخصيات مستقلة مقبولة مستقبلا في المربعات السياسية الأخرى ،، وهي رسالة لكل من يتهم الحركة بالتطرف واحتكار السلطة ،،
أما الخيار الأهم الذي بدأ همسا وهو تشكيل قوائم مشتركة بين الفصيلين الكبيرين " فتح وحماس " وبدء طرح أفكار جادة بهذا الصدد يؤكد أن حركة فتح تخشى من النتائج خاصة في الضفة الغربية وسيكون له أبعادا سياسية ليست في مصلحتها ، وكذلك حركة حماس فإن فوزها في الضفة سيحملها مسئوليات إضافية في هذه المرحلة بالذات .. ولذلك كلاهما يتمنى التوصل الى قاعدة مشتركة بينهما سواء مرحلة ما قبل الانتخابات او التوافق بعدها ,,
أما اليسار الفلسطيني بكافة أطيافه فقد أدرك أنه ليس أمامه سوى التوحد ليبقى موجودا ويحقق نتائج مرضية ، بدأت تتشكل رؤية من الفصائل اليسارية الأساسية وسينضم لها شخصيات وطنية ذات حضور ومكانة لتشكل رافعة مهمة ..
من هنا فإننا نعتبر أن كافة السيناريوهات المتوقعة تؤكد ان نتائج هذه الانتخابات ستتعدى كونها انتخابات بلدية لترسم خارطة جديدة في التحالفات ورسم الخارطة السياسية القادمة .