دكتاتورية البث الإعلامي في إسرائيل

توفيق أبو شومر
حجم الخط

إن مساحة الحرية المسموح بها في إعلام إسرائيل هي فقط، نقد ممارسات وأخطاء الشخصيات السياسية البارزة، أما فيما يتعلق بالمضمون السياسي والأمني، فهو خاضعٌ لرقابة وسطوة وتوجيه مكتب رئيس الوزراء، فمنذ عهد بن غوريون، الذي أسس فور الإعلان عن قيام إسرائيل، هيئة رؤساء تحرير الصحف، التي تولت الرقابة، والتي تقلص نفوذها بمرور الزمن، إلى عهد نتنياهو في سلطة البث الجديدة، ومكتب الإعلام الحكومي التابع له، مع مكتب الإعلام في وزارة الخارجية، ومكتب الإعلام في وزارة الدفاع، فإنها اليوم تشكل مجموع السلطات الديكتاتورية الإعلامية الإسرائيلية بلا منازع!
إنَّ الإعلان عن تأجيل افتتاح سلطة البث الإعلامية، إلى شهر نيسان 2017، والتي ستكون بمثابة مايسترو الإعلام في إسرائيل، كشفتْ ملفا آخر من ملفات ديكتاتورية الحكومة اليمينية في مجال الإعلام، فنتنياهو وجوقتُه الليكودية يُعرقلون افتتاحها، وعرقلة افتتاحها تهدف بالدرجة الأولى إلى فرض الهيمنة على السلطة، تُمكِّنُهُ من إدخال أنفه في المضمون الإعلامي لهذه السلطة.
إن أبرز مايسترو يدعو لفرض الهيمنة الحكومية على سلطة البث الجديدة، هي وزيرة الثقافة، ميري ريغف، كما أن وزيرة العدل، إيليت شاكيد، من حزب البيت اليهودي تناصر ريغف في دعوتها لفرض هيمنة الدولة على سلطة البث الجديدة، وسبب هذا الدعم أن حزب البيت اليهودي حصل على ست وظائف رفيعة المستوى في السلطة الجديدة.
لم يُعِر أنصارُ الهيمنة الحكومية على سلطة البث أي اهتمام لاحتجاج وزير العلوم، أوفير كوينس، الذي قال: لا يوجد في السلطة الجديدة أي مهاجر من الاتحاد السوفييتي السابق، ولم يهتم أنصار الهيمنة اليمينية المتطرفة على الإعلام باحتجاج وزير الداخلية، أريه درعي، الذي قال: لا توجد في سلطة البث أية قبَّعة دينية، أو شخصية من أصول سفاردية!!
ولإكمال الهيمنة الحكومية على السلطة، طالب زئيف إلكن، وزير شؤون القدس، أن يكون مقرُّها في مدينة القدس!
بدأتْ (بلطجة) المكارثيين في حكومة نتنياهو مبكرة، تُوِّجتْ بتشريع مجموعة قوانين تُصادر حرية الرأي، وعلى رأسها قانون إقصاء أعضاء كنيست، من قبل أعضاء كنيست، بتهمة التحريض على أمن إسرائيل، وقانون إجبار الجمعيات التي تتلقى أكثر من نصف ميزانيتها من الدعم الخارجي أن تُعلن ذلك للجمهور، يوم 12/7/2016، هذا القانون ينطبق فقط على الجمعيات الإعلامية اليسارية، كجمعية جنود يكسرون الصمت، وييش دين، وبيتسيلم، وزوخروت، وعشرات جمعيات اليسار الأخرى.
أما جمعيات اليمين المتطرف فإنها تتلقى الدعم مِن جهاتٍ حكومية، أو من متبرعين من الخارج، ولا ينطبق عليها القانون.
لم يعد الأمر مقتصرا على حُمَّى إصدار القوانين ضد أنصار حرية الرأي، بل ابتدعَ متطرفو حكومة إسرائيل منظماتٍ، وجمعياتٍ تختصُّ بمطاردة جمعيات اليسار، مثل جمعية، إم ترتسو المختصة برصد تحركات جمعيات اليساريين، وتشويهها، باعتبارها جمعيات خائنة لمبادئ إسرائيل.
أخيراً برزتْ حركة أخرى جديدة لمطاردة آخر معاقل اليسار الإعلامية، صحيفة هآرتس.
الحركة الجديدة اسمها (الاحتياط)، وهي تستعدُّ لطباعة عشرين ألف نسخة على شكل صحيفة هآرتس، وفيها مقالات بعض صحافيي هآرتس، مثل مقال جدعون ليفي: "إسرائيل دولة شريرة، لأنها تقتل الأطفال الفلسطينيين" ومقال لعاموس شوكن، يدعو العالم لمقاطعة إسرائيل، لأنها دولة احتلال.
سيُكتب في النسخ التي ستوزع على الجمهور في أماكن التجمع العامة: (منظمة الـ بي، دي، إس) تستخدم مقالات جريدة هآرتس لمقاطعة إسرائيل... إذن، قاطعوا صحيفة هآرتس!! (هآرتس 2/8/2016)
يقول إسحق هرتسوغ، زعيم حزب المعسكر الصهيوني: نتنياهو يسعى لأن يكون فيدل كاسترو الإعلام في إسرائيل.
أخيراً: ما يجري في إسرائيل اليوم هو إتمام لعملية زحف اليمين المتطرف على كل قطاعات الحياة في إسرائيل، ومحو مكياج إسرائيل اليساري في خمسينيات، وستينيات، وسبعينيات القرن الماضي، كدولة ديمقراطية يسارية.
ما يجري، غايته الرئيسة؛ تحقيق شعار اليمين التقليدي:
إسرائيل دولة يهودية، أي، دولة اليهود فقط!