اللغة العبرية تنتمي اليوم للفلسطينيين كما لليهود

haaretz
حجم الخط

د

   


بطل «المسار الغريب» (1973) من المتآمرين في قصائد فلادمير فيسوتسكي (1938 – 1980)، دخل بسيارته الى شارع مجهول بدون مخرج، لا يمكن أن يختاره بارادته. واثناء السفر يكتشف أنه ليس وحده: الواحد وراء الآخر وبانصياع كبير ويأس عميق يسير فوق المسار المزيد من السيارات، وتلك التي لا تريد الاستمرار مع التيار يتم جرها جانبا وتختفي على جانب الطريق.
تقوم ينابيع الربيع باغراق هوامش المسار، وتصبح هناك ثغرة للهرب، وبرغبة التحرر يغير اتجاه المقود ويشق مسارا خاصا به وفي فمه جملة معروفة لدى الجمهور السوفييتي، الذي لم يفقد ايمانه بحرية التفكير والابداع: «هوي، أنتم في الخلف، افعلوا مثلي/ أي – لا تذهبوا ورائي/ هذا المسار لي فقط/ اهربوا في مساراتكم».
على ذكر مقال تامر نفار («هآرتس»، 1/8) يصعب عدم ملاحظة التشابه بين عنوان مقالته «تعال نذهب معا في طريقين منفصلين»، العنوان المأخوذ من قصيدة لمحمود درويش، وبين عنوان «لا تسيروا ورائي» لفيسوتسكي. ومثلما أن فيسوتسكي أظهر أهمية التحرر الشخصي الخاص من البعد الواحد السطحي للجماعية السوفييتية، فان نفار – بكلمات درويش – يضع «الأنا» القومي الفلسطيني أمام الفكرة الاسرائيلية التي تتميز حسب رأيه بأحادية القومية التي في مركزها اليهودية والتي لا تترك مكانا للقومية العربية الفلسطينية.
في الوقت الذي طلب فيه روغل ألفر في مقاله (24/7) من الفلسطينيين في اسرائيل أن ينضموا الى المؤيدين اليهود لدولة جميع مواطنيها واقامة حزب يعمل على تطبيق هذا الهدف، فان نفار يعبر في دعوته عن تجاهل الثقافة ثنائية القومية العربية – العبرية، مثل تلك التي يجسدها مع المخرج اليهودي اودي الوني منذ 15 سنة. ولكن هل الواقع المدني والثقافي الذي تتبلور داخله الثقافة والوعي ثنائي القومية من النوع الذي يخلقه نفار والوني ليس اسرائيليا؟ هل الواقع السياسي الذي وجدت فيه المفاهيم الاساسية للثقافة والوعي ثنائي القومية – مثلا مصطلح»اسرائيل/ فلسطين» والذي يغضب القوميين المتطرفين اليهود على اطيافهم السياسية – أليس هو واقعا سياسيا اسرائيليا؟ والسياق الخاص الذي يلتقي فيه ابن الاتحاد السوفييتي في ابداعه مع الشاعر القومي الفلسطيني في الترجمة للعبرية في مقال لفنان فلسطيني من اللد، ويلاحظ فيه امورا بروحية شخصية مثالية من الثقافة التي تربى فيها – أليس هذا سياقا محليا اسرائيليا؟
يزعم نفار أن الاسرائيلية التي نشأت هنا على مدى سبعين سنة حول ثقافة الواقع القومي الفلسطيني جميعها يهودية. هذا الزعم صحيح وخاطئ في الوقت ذاته. فعندما يتم الحديث عن الماضي التاريخي فلا شك أن الاسرائيلية كانت يهودية. دولة اسرائيل أنشئت على أيدي اليهود ومن اجلهم فقط، ولا حاجة للحديث عن المغزى القبلي لمصطلح «اسرائيل» الذي هو الاسم التاريخي لشعب اسرائيل التوراتي، ومنه تم استخراج مصطلح «الاسرائيلية». ولكن في الحاضر، في ايامنا، الاسرائيلية المحددة اصبحت أكثر فأكثر ثنائية القومية، ولا يوجد دليل أكبر من الخوف الهستيري الذي يسيطر على العنصريين في اسرائيل كلما سمعوا بفكرة الدولة المدنية الاسرائيلية. إنهم يفهمون جيدا أن تحقيق هذه الفكرة سيضع حداً لتفوق الجماعة العرقية الدينية القومية اليهودية، ويصنع المساواة الحقيقية بين الاسرائيليين من أبناء جميع الثقافات، الديانات والقوميات العرقية.
عنصريونا على حق: الاسرائيلية لا تنتمي لليهود فقط. يمكن رؤية ذلك مثلا في الصيرورات التي تمر على اللغة العبرية. صحيح أنه بالنسبة لنفار هذه قبل كل شيء لغة البقاء، كما يكتب بكل صدق، لكن بدون مواربة، هو والفلسطينيون الاسرائيليون الذين مثله، هم اصحابها، وليس أقل من اليهود الاسرائيليين.
مع كل سطر مساهمة للادب والثقافة العبرية يكتبه العرب اصحاب الهوية القومية الفلسطينية، تتفكك الثيولوجيا الثقيلة عن اللغة العبرية، الامر الذي حذر منه غرشام شالوم في رسالته المشهورة لفرانتس روزنتسفغ. هكذا تتحول العبرية شيئا فشيئا من لغة المكان الى لغة الاسرائيلي المحلي – يهودي أو فلسطيني.
التوتر بين فكرة الاسرائيلي وفكرة ثنائي القومية هو توتر وهمي ومصطنع. صحيح أن الجدل بين من يؤيدون الاسرائيلية السياسية المدنية الذي يقترحه ألفر وبين من يؤيدون ثنائية القومية كثقافة، كما يقول تامر نفار، ليس له أي قيمة ثقافية، لكن من الناحية السياسية هذا جدل فارغ من المضمون، لأن اسرائيلية ألفر هي الترجمة المحتملة الوحيدة للثقافة ثنائية القومية لنفار والوني الى لغة السياسة العملية.

عن «هآرتس»