بينما تشهد دول عربية مجاورة لإسرائيل مثل سوريا عملية تغير جذرية نتيجة الحرب الأهلية الدائرة منذ أكثر من خمسة أعوام، تشهد إسرائيل عملية تغير لا تقل عنها أهمية وعمقاً من دون حرب أهلية من المنتظر أن تغير جذرياً صورتها وهويتها مستقبلاً.
منذ وصول بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 2009، بدأ الصعود التدريجي لما يمكن تسميته الصهيونية الدينية الجديدة الممثلة بالأحزاب الدينية القومية ذات الايديولوجيا المتطرفة الرافضة لأي انسحاب إسرائيلي والمؤيدة بصورة مطلقة لاستمرار الاحتلال وللمستوطنين اليهود. في المقابل برز التراجع المستمر للمعسكر الصهيوني العلماني المؤيد لفكرة التسوية السياسية وحل الدولتين. وتتوقع استطلاعات الرأي العام الأخيرة هزيمة نكراء لهذا المعسكر في الانتخابات المقبلة يمكن ان تؤدي إلى اختفائه عن الخريطة الحزبية في إسرائيل.
والواقع أن ما تشهده إسرائيل حالياً هو موت التيار الصهيوني الاشتراكي العلماني للرواد الأوائل الذين أسسوا دولة إسرائيل، وصعود نخبة إسرائيلية جديدة لتيار الصهيونية الدينية. وتشبه ايديولوجيا هذا التيار الى حد ما الأفكار السلفية الرادايكالية التي تنتشر في المجتمعات العربية، ويعتمد بصورة خاصة على تأجيج المشاعر الدينية - القومية اليهودية، ويسعى إلى تحويل المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع أكثر ارتباطاً بالدين وأكثر التزاماً للشريعة اليهودية. لم يعد المتدينون في إسرائيل فئة معزولة عن شرائح المجتمع الإسرائيلي الأخرى تعيش ضمن عالمها الخاص، بل أصبحوا اليوم حاضرين في كل المؤسسات الحكومية وفي مجال الاعلام وحتى في هيئات المجتمع المدني. الصهيونية الدينية الجديدة تجتاح المجتمع الإسرائيلي وتغير هويته وصورته وتوجد نخباً جديدة أكثر تعصباً وانغلاقاً.
ماذا يعني هذا بالنسبة الى الفلسطينيين والى التسوية السلمية ومستقبل علاقات إسرائيل بدول المنطقة؟
الفلسطينيون المقيمون داخل إسرائيل وفي المناطق المحتلة هم الذين يدفعون الثمن الأكبر من خلال تصاعد السياسات العنصرية والممارسات المعادية لهم. أما في ما يتعلق بالتسوية السلمية للنزاع مع الفلسطينيين، فإن النخبة الصهيونية الدينية الجديدة لا تؤمن بحل الدولتين ولا بالتخلي عن الضفة الغربية أو عن المستوطنات وهي لا تملك رؤيا سياسية للنزاع. ومع سيطرة هذه النخبة الجديدة، من المتوقع أن تعود النظرة الانغلاقية على الخارج والسياسات الخارجية الانطوائية، وان تزداد حدة العداء الإسرائيلي للفلسطينيين والعرب اجمالاً.
في ضوء هذا الواقع الجديد، كل ما قيل ويقال عن نشوء تعاون سري بين إسرائيل ودول عربية معتدلة يخدم أهدافاً ترويجية دعائية إسرائيلية. وما حديث نتنياهو عن "مبادرة إقليمية" وعن مرحلة جديدة من التعاون مع دول عربية معتدلة سوى مناورة من أجل تلميع صورة حكومته اليمينية الضيقة.
عن النهار اللبنانية