من التوراة وإليها...

thumb (21)
حجم الخط

الآن، بعد أن هدأت 'الضجة الخجولة' التي أثارها تصريح كان أدلى به الراب إيال كريم، الذي تم تعيينه، أخيراً، الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي، و'أفتى' فيه بجواز 'اغتصاب الأسيرات الحسناوات'. ومع ما يعنيه هدوؤها من المرور مرّ الكرام على هذا التصريح، صار ممكناً رؤية أن أحد أهم أسباب ذلك أن كريم استل هذا 'الجواز' من النصّ التوراتي، ليس أكثر، وبالتالي، فهو ليس عنوان الشكوى بأي حال.

وكما ذُكر في أكثر من موقع، ورد هذا النصّ ضمن سفر 'التثنية' (العهد القديم)، الإصحاح 21، الآيات 10- 13: 'إذا خرجتَ لمحاربة أعدائك، ودفعهم الرب إلهك إلى يدك، وسبيت منهم سبيًا، ورأيت في السبي امرأةً جميلة الصورة، والتصقت بها، واتخذتها لك زوجة، فحين تدخلها إلى بيتك، تحلق رأسها وتقلم أظفارها، وتنزع ثياب سبيها عنها، وتقعد في بيتك، وتبكي أباها وأمها شهرًا من الزمان، ثم بعد ذلك تدخل عليها، وتتزوج بها فتكون لك زوجة'.

وأفاد بعضهم بأن الرامبام (موسى بن ميمون) وآخرين أجازوا اغتصابها أول مرة، حتى 'من دون الزواج منها'.

والنصّ بالنصّ يذكـر.

قبل عدة سنوات، أطلقت عناصر 'يسارية' في إسرائيل دعواتٍ تنادي بعدم إدراج سفر آخر من 'العهد القديم' هو سفر 'إستير' في عداد النصوص التوراتية المرجعية التي يوجد في شأنها 'إجماع قومي يهودي'، نظراً إلى ما اشتمل عليه من فظائع، ارتكبها اليهود في مملكة فارس القديمة ضد أعدائهم وشانئيهم، شأنه شأن سفر 'يهوشع' الذي أورد وقائع احتلال 'أرض الميعاد'.

وردًّا على هذه الدعوات، جاء في 'أدبيات' وزارة الخارجية الإسرائيلية أن سفر 'إستير'، الذي يحتفل به في دولة الاحتلال من خلال ما يسمى 'عيد الفوريم' أو 'عيد المساخر'، يمثل ذكرى خلاص اليهود وإفشال المؤامرة الرامية إلى إبادتهم، منذ أقدم الأزمان. وعلى مرّ الأعوام، أمسى رمزًا مهمًّا لـ'انتصار الشعب اليهودي على سلطة لاسامية طاغية'.

وكتبت نائبة وزيرة الخارجية الحالية، تسيبي حوتوفيلي، أن الوقائع الواردة في السفر ذات دلالة مهمة واحدة ووحيدة، هي توثيق 'شعب إسرائيل' أواصر علاقته بـ 'هويته الخاصة'، وإقدامه على التخلص من أعدائه الخارجيين والداخليين.

ودعا إلياكيم هعتسني، أحد زعماء أوباش المستوطنين اليهود في الخليل الذي كان عضواً في الكنيست، إلى عدم التعامل مع هذا السفر بمنطق المعقولية السياسية (Politically Correct) الحداثيّ.

وتمثلت 'ذريعته' الأساسية بأن ما جرى، في ذلك الوقت، كان في منزلة 'حرب'، بموجب المقاييس كلها، وليس مذبحة ارتكبها اليهود، وبأنه في خضم الحرب لا يمكن التحدّث عن السلام مع الأعداء، بل حتى لا يجوز التوصل إلى أي اتفاقٍ سياسي معهم. وبرأيه، فإن هذه هي العبرة الرئيسية التي يجب استخلاصها من ذلك الزمان الماضي إزاء الزمان الحاضر، الذي تبدلت فيه هوية 'أعداء اليهود'، غير أن غاياتهم بقيت على ما كانت عليه، وفحواها إبادة الشعب اليهودي عن بكرة أبيه، أو على الأقل التسبب بذوبانه داخل المجتمعات المتعدّدة التي يعيش بين ظهرانيها.

أمّا حوتوفيلي، فشدّدت على أن أسباب العداء لليهود، أو ظاهرة 'معاداة السامية' في الماضي والحاضر، لا تمت بأي صلةٍ إلى ممارساتهم الآثمة. وبناء على ذلك، فإن المحاولات التي تعزو أي حملة نقد دولية حالية إزاء سياسة الحكومة الإسرائيلية، وممارساتها الميدانية، إلى عامل انعدام مبادرة سياسية من جانبها، أو إلى عامل استمرارها في أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، هي محاولات خطأ، وتنطوي على حلٍّ مفتعل لهذه المشكلة، وبالتالي، لا بديل من ديمومة 'القبضة الحديدية' اليهودية.

لا تصدر هذه الأقوال عن أشخاصٍ هم في هامش الحلبة السياسية الإسرائيلية، بل في مركزها وفي مواقع صناعة القرار.

وصدق من رأى أن لسان حال هؤلاء يقول إنه لا بديل من ديمومة بقاء اليهود 'شعباً' يستمتع بالاتكاء على مآسيه، وعلى جرائمه.