تطرح انتخابات المجالس المحلية الفلسطينية في 8 تشرين الاول على الفحص سياقات تتعلق باستمرار حكم أبو مازن. «حماس» هي الاخرى ضعيفة منذ هُزمت في حملة «الجرف الصامد»، وباتت منعزلة حيال مصر والعالم العربي. وفي الخلفية تحل ايضا تغييرات في الوضع الاستراتيجي للدول العربية التي تستعد للتهديد الايراني، في ظل الملاحقة التي لا تتوقف من جانب الارهاب الاسلامي السني لها، مثل «القاعدة»، «داعش»، وبالطبع «حماس».
يخيل في الاونة الاخيرة انه ينشأ لدى القيادة السياسية في «حماس» نهج برغماتي يستوعب المأزق الذي تعيشه المنظمة في غزة، على المستوى السياسي، العسكري، والاقتصادي. ويتحدث مسؤولوها علناً عن انعدام الجدوى في المواجهات العسكرية المكشوفة مع إسرائيل. ولا تغيب الاثار السلبية للعزلة والصورة الاسلامية المتطرفة التي علقت بـ «حماس» عن قادتها. وفي السلطة الفلسطينية ايضا يوجد احساس بالضعف وانعدام الجدوى، بعد أن فشلت في انتزاع انجازات من اسرائيل من خلال الضغط الدولي أو الوصول الى مصالحة وطنية مع «حماس» من خلال قطر. ويوافق هذا احساس بفقدان التأييد الجماهيري في «يهودا» و»السامرة» وانعدام الشرعية القانونية لحكم السلطة – «حماس» تمنع ذلك على عدة مستويات. ومع ذلك، فان «حماس» بالذات تأتي الى انتخابات البلدية مع الخوف من الا تحترم السلطة الفلسطينية نتائج انتخابات تنتصر فيها «حماس» في «المناطق»، فتعتقل نشطاءها.
«حماس»، التي قاطعت لهذا السبب الانتخابات السابقة في العام 2013، غير معنية بالكشف عن مرشحيها. ويمكن أن نأخذ الانطباع بانها تعمل على صياغة الطريق الذي تضمن فيه حقها في الوجود واستمرارها ككيان عسكري وسياسي رائد، حتى في وضع تنقطع فيه عن منظومات التأييد السياسي، اللوجستي، العسكري والاقتصادي نتيجة للتغيير الاستراتيجي العربي العام. والمقصود أساسا ايران، تركيا، وقطر، التي تتآمر كلها عليها. من الواضح لـ «حماس» أنها اذا كانت ترغب في المستقبل بان تطرح مرشحا لها لرئاسة السلطة، فيتعين لهذا ان يكون شخصا مقبولا على اسرائيل والولايات المتحدة. وعليه، وبسبب وضعها الصعب، تكتفي المنظمة «الارهابية»، الآن، بالتطلع لتكون شريكاً في انتخاب بديل ابو مازن. في كل الاحوال، ستشكل الحملة الانتخابية الحالية للبلديات بالنسبة لـ «حماس» مقياسا حقيقيا لميزان القوى قبيل الانتخابات للرئاسة.
سيشارك في الانتخابات المحلية 414 مجلسا. وفي ضوء المصيبة الانسانية التي اوقعتها «حماس» على غزة، يتمنى سكانها انهيار المنظمة. ولكن من الجهة الاخرى في الضفة بالذات يميلون لتأييدها. وفي ضوء هذا الوضع، وفي ظل انعدام الجدوى التي يتميز بها الطرفان (ابو مازن فقد الامل في اعادة السيطرة على غزة، و»حماس» تخاف من الانهيار) فان «حماس» والسلطة الفلسطينية قد تتوجهان نحو مصالحة وطنية لترتيب تبادل للحكم، وذلك بتوجيه مصري.
الى أن تتمكن «حماس» من فحص الوضع في الانتخابات البلدية ستواصل التصدي للضربات التي توجه لها. والاخيرة التي اضيفت الى القائمة هي كما أسلفنا الانهيار الاقتصادي، تيجة للوضع الذي تعيشه بعض من الدول الغربية، التي تتبرع وتمول وكالة غوث اللاجئين الاونروا. وقد أعلنت هذه عن تقليص متوقع في المساعدات في المستقبل القريب. ويتلقى اللاجئون الفلسطينيون على مدى السنين الدعم من مؤسسات الامم المتحدة، بل اكثر من غيرهم من اللاجئين العالم. ولو كانت هذه الاموال ترجمت باستقامة، لكان ممكنا اقامة ثلاث دول فلسطينية مزدهرة، ولكن طوفان المساعدات جعل مكانة اللاجئ مجرد ذخر قابل للتجارة، ينتقل بالوراثة وكأنه لقب بارون او ماركيز وذلك خلافا للقانون الدولي.
وبدلا من حل هذه المشكلة، فان مليارات الدولارات تخلدها. بعضها عن قصد. وهذا انكشف مع اعتقال محمد حلبي، مدير فرع منظمة «وورلد فيجن» في غزة، الذي نقل على مدى خمس سنين من عمله مبلغ 37.5 مليون دولار من اموال المساعدات الى الذراع العسكرية لـ «حماس». دعم الارهاب بدلا من التنمية.
لقد جسدت «وورلد فيجن» فقط كيف اصبحت مؤسسات الامم المتحدة أداة في خدمة «حماس» وغيرها من المنظمات «الارهابية» الفلسطينية. ويدور الحديث عن مخازن، مستشفيات، ومدارس اخفت فتحات الانفاق وكانت مجالات لاطلاق الصواريخ. «وورلد فيجن» هي منظمة مسيحية ومناهضة للصهيونية، مدعومة من دول مثل المانيا واستراليا، ولهذا فمن الصعب التصديق بأنها تعاني من ادارة فاشلة في دفع الاموال. وبالمقابل، فان عملية الخوف من الاسلام الذي يجتاح اوروبا، نتيجة للعمليات، سيقلص دوافع مؤيدي «حماس» الى درجة اللاسامية المعقولة.
ان مصدر التسلل الفلسطيني الى منظومة المساعدات الاوروبية هو الفساد الذي نشأ في هيئات الامم المتحدة، واصبح ثغرة سمحت بتوجيه الاموال من التنمية الى الجهد العسكري لـ «حماس» وغيرها.
رغم انسحاب اسرائيل في العام 2005 لا تزال الاسرة الدولية تحملها مسؤولية ما يجري في القطاع. والسبب: تهريب الوسائل القتالية الى غزة يجعل اسرائيل تمارس نظاما مقيدا حول القطاع، من حيث تقييد البضائع والاموال. ومع ذلك لا توجد مصاعب في وجه منظمات المساعدات المختلفة. وتفضل اسرائيل التخلص من المعضلة الغزية، بل ان تعيدها الى الحضن المصري، ولكن هذا يرفض قبولها.
من اعتقد بأن انسحاب الجيش الاسرائيلي من القطاع سيؤدي الى «سنغافورة» جديدة وحل متوقع ومشابه في الضفة ايضا اخطأ خطأ كبيرا. فتحت السلطة الفلسطينية، حتى منذ عهد ياسر عرفات، وجدت منظمات «ارهابية» من نوع «حماس»، استخدمها الرئيس للمس باسرائيل. وعندما حان زمنها نفذت الانقلاب وطردت السلطة من غزة.
والان تتآمر «حماس» لافتراس الضفة ايضا. فالشيطان الاسلامي الاجرامي يثور على خالقه. والضربات العسكرية والاقتصادية التي تلقاها أعادته الى ملجأه في قمقم السلطة الفلسطينية. اذا نجحت طريقها بعد شهرين، في الانتخابات البلدية، سنتبين من سيحشر هذه المرة داخل القمقم: السلطة أم «حماس»، مرة أخرى.