من خلال متابعتنا للتحضيرات الجارية للتنافس على مقاعد ورئاسات المجالس المحلية، برزت ظاهرة تستحق التمعن فيها واستخلاص الدروس منها، وهي تسابق الفصائل على رفع يافطات المستقلين والأنضواء تحتها ، إما بسبب ندرة الوجوه الفصائلية التي تمتلك قدرة على الإبداع في استقطاب الأصوات ، وإما للتحايل على القطاع الأوسع والأهم والمسمى بالمستقلين، كي يحصلوا على أصواتهم ما دام الأمر أولا وأخيرا وعلى صعيد النفوذ الفعلي ما يزال بيد الفصائل، خصوصا الكبيرة منها. وفي كلا الحالتين فإن الفصائل التي يحرجها ضعف أدائها التنموي وكفائتها في الإدارة اليومية لشؤون الحياة تبرهن بل وتعترف ولو بطريقة مواربة بتراجع نفوذها المباشر واضطرارها للبحث عن نفوذ من خلال الآخرين .
الزعم بأن الفصائل سوف لن تشارك مباشرة وأنها اختارت دعم الكفاءات يظهر تناقضا بيناً في الطرح من أساسه، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا كل هذا التهافت على تسييس الانتخابات والتدخل بكل صغيرة وكبيرة بشأنها ، فهل أهل القرى والمدن بحاجة إلى مسستشارين من الفصائل كي يدلوهم على الكفاءات التي خرجت من صلبهم ، ثم لماذا وما دام الجميع يتسابق على دعم الكفاءات ، لا تترك الكفاءات نفسها في تشكيل قوائمها وعرض برامجها وخططها على الناخبين دون أن تمر الكفاءة المقصودة من قنوات الفصائل وإطاراتها وقراراتها .
لو كانت الفصائل أثبتت نجاحا سياسياً أو داخليا أو تنمويا فبوسعها أن تقدم قوائم تحمل شعاراتها وتعرض انجازاتها دون الاضطرار الى اللجوء للمستقلين او ما يوصفون بذوي الكفاءات .
للحق فإن الكفاءات التي لم يتشرف أعضائها بالحصول على مباركة قادة الفصائل أو منحهم شهادة وطنية ، سوف ينفرون بمعظمهم عن هذه الانتخابات لأنهم لا يقبلون أن يكونوا مجرد يافطة تستخدم لاستقطاب الأصوات وحين بدء العمل سوف يقادون من مرجعيات سياسية ربما لا يرونها.
كل البيانات الانتخابية التي صدرت في الماضي وستصدر في الحاضر تحوقل وتبسمل بمصلحة الشعب والتفاني في خدمته، بينما التباهي بالفوز سيكون فصائليا بامتياز، وهنا ستفرض حاجة الفصائل الى تسويق اقتسام الفائزين وتصدير النسب الى العالم كي يعرف من هو الاقوى حجة في ادعاء تمثيل الشعب الفلسطيني بعيدا عن الانتخابات العامة التي استبدلها السياسيون بانتخابات قطاعية متناثرة كي تظل الطبقة العليا على حالها إلى ما لا نهاية، ما دام الطلاب والمهندسون مثلا يقيمون انتخابات توصف بالديموقراطية كنهج عام .
إن هذه الطريقة في التعامل مع الانتخابات تسلب القوى السياسية حق ادعاء وصايتها على النهج الديموقراطي الذي لا يوجد الا في شعاراتها وبياناتها، اما المستقلون الذي هم غالبية الشعب الفلسطيني ، فمن يقبل بهذه الصيغة الفصائلية المواربة فانه لم يعد مستقلا فقد انخرط في اللعبة من ابوابها الخلفية مع إنه ظاهريا في الواجهة .
هذه هي حكاية يافطة المستقلين التي تصنعها اجندات غير المستقلين ، وبين هذا الذي يجري وبين الديموقراطية الحقة المتكاملة مسافات بعيدة في الشكل والمضمون.