انتخابات فوق محلية

طلال عوكل
حجم الخط

فيما تتصاعد حُمّى التحضير للانتخابات البلدية، والبعض قد بدأ حملته الانتخابية كفصيل وليس كقائمة مبكراً، تتصاعد، أيضاً، الأصوات المطالبة بتأجيلها، وتتصاعد، أيضاً، الاتهامات المتبادلة بين طرفي الانقسام الفلسطيني الأمر الذي يجعل من هذه الانتخابات مفصلاً نحو مرحلة جديدة مختلفة.
ومن اتخذ القرار وحدد موعد الانتخابات وهو الرئيس محمود عباس كمرجعية للحكومة، لم يكن ليفعل ذلك دون حسابات سياسية مرتبطة أشدّ الارتباط بالتطورات في المحيطين العربي والإقليمي، الأمر الذي يحيلها إلى استحقاق له ما بعده، وكجزء من استحقاقات المرحلة اللاحقة.
يُصرّ الرئيس عباس على أن الأوضاع جاهزة لإجراء انتخابات ديمقراطية شفّافة ونزيهة على غرار ما سبق، وفي السياق ذاته تعبّر لجنة الانتخابات المركزية عن جاهزيتها لإجراء الانتخابات وضمان النزاهة والشفافية.
المواطن كما القيادات والنخب السياسية يعرف أن البيئة التي تجري في ظلّها الانتخابات ليست سليمة، لا على مستوى العلاقات الوطنية الداخلية ولا على مستوى العلاقة بين القيادات والفصائل والمجتمع، ولا على مستوى المؤسسات الأمنية والقضائية والسلطات المتعارضة التي يقع عليها واجب ضمان أمن وسلامة العملية الانتخابية.
ويلفت النظر، أيضاً، أن الرئيس لا يتحدث عن علاقة هذه الانتخابات بمصالحة قادمة وإنما بإنهاء الانقسام الأمر الذي يثير تساؤلات حول كيفية إنهاء الانقسام طالما يغيب الحوار وطالما يشير الواقع إلى توازن قوة تقريباً مؤسّس على سلطتين راسختين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وباستثناء الدعوات البريئة التي تصدر عن بعض الفصائل الأخرى والشخصيات العامة التي تأمل في أن تكون هذه الانتخابات خطوة أولى يمكن البناء عليها لإنجاز المصالحة، باستثناء ذلك، فإن الواقع والمؤشرات الداخلية والخارجية لا تشير إلى أن الانقسام سينتهي بطرق ديمقراطية أو من خلال حوار وطني يتجدّد على أساس نتائج الانتخابات.
من حيث المبدأ، يمكن القول إن إنهاء الانقسام يتطلّب ثمناً أكبر من الثمن الذي دفعه الفلسطينيون حين وقع الانقسام، والحقيقة أن سنوات الانقسام كلّفت الشعب الفلسطيني وقضيته أثماناً باهظة جداً.
يستند هذا التقييم لمتطلبات إنهاء الانقسام إلى أنه إذا كان الانقسام خسارة فادحة، وقد كلف ما كلف فإن إنهاءه كإنجاز يتطلّب ثمناً أكبر.
أما عن علاقة هذه الانتخابات بالتطورات المحيطة، فإن علينا التدقيق في هذه التطورات، لفحص مدى الارتباط بينها.
الرئيس عباس يتحدث عن أن المبادرة الفرنسية تشكل فرصة جديّة لتحريك العملية السياسية في مدى زمني لا يتعدى نهاية هذا العام، حيث يفترض أن ينعقد مؤتمر دولي تصرّ على انعقاده القوى الدولية.
واشنطن حاولت من خلال وزير خارجيتها تقديم مقترحات تبدو اعتراضية على المبادرة الفرنسية، حيث تحصر التداول في الاطار الإقليمي لكن القيادة الفلسطينية رفضت تلك الاقتراحات، ما يعني أن المبادرة الفرنسية هي المبادرة الوحيدة المطروحة في السوق وتلقى دعماً أوسع من قبل المجتمع الدولي والأهم من قبل المجموعة العربية.
السؤال هو هل سيذهب الفلسطينيون إلى المؤتمر الدولي وهم على الحال من الانقسام والصراع الذي هم عليه أم ان شيئاً لا بدّ أن يتغيّر بحيث يتقدم العامل الفلسطيني وهو في حالة أفضل من الجهوزية السياسية والتمثيلية؟
حتى يكون العامل الفلسطيني أكثر جاهزية لا بدّ أن يحصل تغيير في مواقف أو مواقع القوى الأساسية المتصارعة، أو في قدرتها على الفعل والتأثير.
في هذا السياق من غير المتوقع أن تبادر حركة حماس لإحداث تغيير في خطابها وبرنامجها ورؤيتها السياسية، بحيث تعطي فرصة لتأهيل العامل الفلسطيني للتعاطي مع العملية السياسية. لا تستطيع حركة حماس أن تفعل ذلك، مهما قيل في تراجع علاقاتها مع المحيط العربي والإقليمي والبعض يرى أنها تتجه نحو عزلة متزايدة، حيث لا تحظى الحركة بحليف أو حلفاء أقوياء يمكن الاعتماد عليهم.
علاقة حماس مع مصر خاربة، وهي غير عامرة مع السعودية، ولا عادت العلاقة مع إيران إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الانفجار الذي شهدته سورية، أما علاقتها مع تركيا فهي مرهونة بحسابات تركيا الجديدة بعد الانقلاب الفاشل.
من الواضح أن ثمة متغيّرا مهما على السياسة التركية التي أخذت تعيد حساباتها إزاء تعاطيها مع الملفات الساخنة على حدودها سواء في العراق أو أساساً في سورية، لا يمكن في السياسة تجاهل اللقاءات التركية الروسية، والتركية الإيرانية، وبداية الحديث عن إمكانية تحريك العلاقة بين تركيا ومصر في الاتجاه الذي يصحّح الخراب الذي وقع.
وفي هذا السياق، أيضاً، يترتب على المراقبين أن يلاحظوا مظاهر التحرك في سياسة بعض الدول العربية، خصوصاً الخليجية نحو إسرائيل، وذلك انطلاقاً من أولوية مواجهة ما يعتبرونه الخطر الأساسي والداهم ونقصد الخطر الإيراني والتمدد الشيعي.
إذا كانت هذه هي التطوّرات المحيطة وكلها مرتبطة بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الانتخابات البلدية التي ستجرى قبل المؤتمر الدولي، لا يمكن إلاّ أن تكون جزءاً من التحضيرات المطلوبة كاستحقاق لا يمكن تجاهل أهميته.