ليس مجرد مصير واحد، وإنما هو منشأ واحد، وهدف واحد رغم كل الاختلافات والصراعات. وإذا كانت البئر المسمومة للتأسلم التى شربوا منها جميعاً، وهى بئر «معالم فى الطريق» للإخوانى سيد قطب، هى المنبع فإن تشوهات النشأة وأساليب الممارسة والتفكير مايزت بين التنظيمين اللذين وُلدا وتربيا وتأسلما وتموَّلا من ذات الأحضان الأمريكية والأوروبية والتابعين لها فى تركيا وقطر، وحّدتهما أيضاً أوهام التأسلم المتشدد. تلك الممارسات التى تدرك جيداً أن قصفها من الجو لن يُنهى وجودها، وإن قلّم أظافرها، وإذا تعقدت أمور «الجهاد» المشترك فإن الخصم الآخر جاهز دوماً والهجوم عليه سهل دوماً، وهو «الشيعة» وكأن عرش الخلافة لأى منهما لن يتهيأ إلا بأنهار دماء شيعية، لكن أحداً لم يُبد حيرته من أن الممولين للأخوين داعش والقاعدة، سواء فى الغرب أو فى تركيا وقطر، أصدقاء لإيران. ومع ذلك يبقى الصراع فى العراق وفى سوريا وفى لبنان متمادياً فى الغلوّ ضد «العدو» الشيعى، خاصة الممثل الرسمى لولاية الفقيه فى المنطقة «حزب الله» الذى قرر فى نهاية الأمر أن «يخلع برقع الحياء» ربما فى تكتيك مكشوف، فأعلن حسن نصر الله صراحة وبلا خجل: «إننا نقولها صريحة وبلا مواربة، إن كل تمويلنا ومرتباتنا وتسليحنا وأكلنا وشربنا يأتى مباشرة وليس عبر البنوك من إيران»، أما التكتيك المكشوف فهو أنه استند إلى ذلك فى نفى وجود أى أنشطة تجارية أو مصرفية وتجارية للحزب، وهو ما يدرك الجميع أنه غير صحيح.
ولكننا نعرف أنه، ومنذ تولى الخمينى السلطة فى فبراير 1979، تناسى المتأسلمون السنّة كل خلافاتهم مع السلطة الشيعية واعتبروها -ولو مؤقتاً- رمزاً لصحوة إسلامية، وعندما نجحت «جماعة الجهاد» فى اغتيال السادات الذى استضاف شاه إيران المخلوع ووقّع «كامب ديفيد» خلّدت إيران اسم قاتله خالد الإسلامبولى بإطلاقها اسمه على واحد من أكبر شوارع طهران، وفى هذه الأثناء انتقل فتحى الشقاقى من المعسكر الناصرى إلى الدعوة لثورة إسلامية، متأثراً بالإمام الثائر، وأسس جماعة الجهاد الإسلامية الفلسطينية وأصدر عديداً من الدراسات التى سجل فيها ولاءه للخمينى، وخاصة فى كتابه «الخمينى.. الحل الإسلامى والبديل»، وتطرف فى موالاته للحكم الشيعى فى إيران إلى درجة أن اتهمه عديد من الفلسطينيين بالتشيع رغم أنه قد أكد انتماءه السنى والإخوانى بإهدائه الكتاب «إلى الإمام الشهيد حسن البنا والإمام الثائر الخمينى»، وقد قام وفد من إخوان الخارج برئاسة يوسف ندا بمقابلة الخمينى فى منفاه بباريس قبيل عودته إلى طهران ولقبوه بـ«المرشد». ويجب ألا ننسى أن خامينئى المرشد الحالى قد ترجم فى عام 1966 كتاب سيد قطب «المستقبل لهذا الدين»، ورغم ذلك يظل «الشيعة» بالنسبة لداعش والقاعدة هم العدو القريب المنال. ويظل الخلاف بين التنظيمين موجوداً وملتهباً أحياناً ويتبادل الطرفان الاتهام بأن الآخر من الخوارج. فأبوبصير الطرطوسى كتب فى يوليو 2014 رسالة عنوانها «شرعية إمارة المتغلب»، وقال: «والخوارج الغلاة رغم تمكنهم عبر تاريخهم من تأسيس بعض الإمارات الخاصة بهم فإن الموقف ظل دوماً هو قتالهم ورد عدوانهم وخطرهم على الأنفس والحرمات»، أما أبومحمد المقدسى فقد وجّه لهم رسالة مناصحة وكفّ عن وصفهم بالخوارج ولكن «بالغلو والكذب، وكراهة الانضمام إليهم»، ولكنه يعود ليفتح مجالاً للتعاون معهم والعمل فى إطارهم، فيقول: «إذا كنت متبصراً بمخالفات القوم وتضمن ألا تتورط معهم فى دم مسلم وألا تذوب فيهم وتحمل غلوهم فلا أرى مانعاً من العمل معهم على البر والتقوى وليس التعاون على الإثم والعدوان، وكذلك التعاون فى قتال الصليبيين والروافض والكفار من أنظمة الردة وليس فى قتال المسلمين». وهنا يمكننا أن نكتشف الفارق بين داعش والقاعدة، فداعش تستخدم القتل والذبح والحرق والتمثيل المتوحش بمخالفيهم من المسلمين وحتى السنّة منهم، بينما القاعدة توجه نشاطها بالأساس إلى خارج دائرة المسلمين فى عمليات ضد الاستكبار النصرانى، ولكن هذا الخلاف لا يمنع القاعدة من العمل المشترك فى بضعة مواقع، سوريا ضد الروس والغرب وأنصارهما، كما ينفتح المجال لتعاونهما الممتد فى ليبيا، حيث المجال مفتوح لمعاداة المتدخلين غير المسلمين، ويظل باب التوافق مفتوحاً، فالطرفان يؤكدان أن «الوطنية» صنم والإيمان بها سند للتكفير. ومن هنا فهما معاً ضد تنظيمات ما يسمى «جبهة النصرة» فى سوريا، ومنها أحرار الشام والجيش السورى الحر، فجهاد هؤلاء وطنى، وسقفهما وطنى محدود بإطار وطنى، وحتى تشخيصهم للصراع كله محدود فى إطار وطنى. وبهذا يتفق الدواعش والقاعدة على معاملتهم معاملة الطاغوت، ومرة أخرى يظل الخلاف قائماً حول استحلال دم المسلم. ويقول منظرو داعش: «ألم يفلق على بن أبى طالب وجيشه رؤوس الآلاف من المسلمين فى جيش معاوية، ثم ألم يفلق جيش معاوية رؤوس الآلاف من جيش على.. أليست هذه دماء معصومة؟ ومع ذلك نرضى عن على ومعاوية لأن هذه السيئات مهما عظمت تضيع فى بحار حسناتهم»..