«لو كان والدي حيا في اللحظة الراهنة، لشعر بحالة من الإهانة والإذلال الشديدين بسبب حالة الانحطاط التي أصبح عليها حزبه الجمهوري والتي بلغت ذروتها بأن أصبح رجل مثل دونالد ترامب مرشحا عن الحزب»… قائل هذا الكلام هو الصحافي الأمريكي رون ريغن نجل الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغن، رغم كل ما كان يقال عن والده (1911/2004) من أنه من أقل الرؤساء السياسيين خيالا سياسيا وأكثرهم اندفاعا، مستحضرين باستمرار صورة «الكوبوي» في أفلام رعاة البقر التي كان يقوم ببطولتها عندما كان ممثلا قبل أن يصبح رئيسا (1981/1989).
ورغم أن رون ريغن قال إنه كصحافي تلفزيوني مطالب بالتعامل بحيادية مع المرشحين، إلا أنه أقر بأن «ترامب حالة خاصة»، مشيرا إلى أن خطابه أول أمس الإثنين الذي دعا فيه إلى «فحص أيديولوجي» للقادمين الجدد إلى أمريكا، لا سيما المسلمين، «فارغ وينم عن جهل من ألقاه بسير الأمور حول العالم، وهو لا يصلح صراحة لأن يكون رئيسا للولايات المتحدة».
وإذا كان ترامب أخرج صحافيا عن طوره فماذا عساه يفعل بالسياسيين والمفكرين، فهذا نيكولاس بيرنز السفير السابق للولايات المتحدة لدى الحلف الأطلسي يعتبر مقترح الفحص الإيديولوجي «سوقيا وغير مقبول» قائلا إن «الولايات المتحدة الأمريكية استقبلت 800 ألف مهاجر منذ أحداث 11 ايلول/سبتمبر 2001 وقد تعرضوا لتدقيق قاس من وزارة الخارجية، ولكن قول ترامب أنّه يجب أن نقوم باختبار أيديولوجي لكل من يريد دخول الولايات المتحدة، يشعرني أنني لست أمريكيا». ورأى بيرنس، وهو من بين القلائل الذين سارعوا فورا بين السياسيين الأمريكيين إلى استهجان مقترح ترامب بأشد العبارات أن «خطاب ترامب يبعث على الخوف، لأنه سيفرض قيودا على الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الأمريكيون والمهاجرون»، مضيفا أن «هذا الطرح لا يعكس قيم الولايات المتحدة، لأننا دولة تقوم على حرية التعبير والاعتقاد والإعلام».
وحيث أن بيرنز لم ينس، مع كل ما سبق من اعتراض وإدانة للمقترح، من التساؤل الاستنكاري عن من سيكتب نص هذا الاختبار ومن هي الجهة التي ستتولى فحصه لأخذ قرار دخول أمريكا من عدمه، وعما إذا كان هذا النص سيعكس فقط فكر الإدارة الأمريكية التي كتبته أم لا، فقد لا يكون من الخطأ أن نطلق من الآن حملة دولية واسعة لمساعدة ترامب وفريقه على صياغة الأسئلة المناسبة للفحص الإيديولوجي المقترح.
ولعل البعض في مواقع التواصل الاجتماعي سبقوا ترامب في هذا المقترح وشرعوا في التندر بحوارات متخيلة ساخرة من قبيل هذا الحوار الذي يمكن أن يلهم جماعة ترامب فيقتبسون منه بعض الأسئلة:
ـ هل تؤيد «داعش»؟
ـ طبعا لا…
ـ هل أنت مع قتل المرتد؟
ـ طبعا نعم…
ـ هل أنت مع قطع يد السارق؟
ـ طبعا نعم…
ـ هل أنت مع الجزية؟
ـ طبعا نعم…
ـ هل أنت مع إقامة الدولة الإسلامية؟
ـ طبعا نعم…
ـ هل تؤيد «داعش»؟
ـ طبعا لا …
ـ هل تعاني انفصاما في الشخصية؟
ـ طبعا لا …
ثم لا ننسى أن ترامب لم ينتبه إلى أن طلبات تأشيرة الدخول إلى أمريكا تتطلب أصلا الإجابة على مجموعة أسئلة عديدة ومعقدة إذا ما ترك بعضها بلا إجابة فالطلب لا يقبل بشكل آلي. كما أن أي طلب للقدوم إلى الولايات المتحدة، أو إلى غيرها بالمناسبة، يستلزم إحضار مجموعة وثائق لا حصر لها والقدوم لجلسة شخصية مع أحد موظفي السفارة المدربين على التعامل النفسي والأمني مع الجمهور. يخضع صاحب الطلب لمجموعة أسئلة إضافية يقرر في أعقابها الموظف منح التأشيرة أو حجبها حتى وإن كان كل الشروط مستوفاة لأن القانون يمنحه سلطة تقديرية للمنح والرفض. أكثر من ذلك، قد يكون الشخص حاملا للفيزا ولكن ضابط أمن الجوازات لا يسمح له بدخول التراب الأمريكي أو غيره لشكوك ما انتابته بعد الحديث القصير معه..
من بين أسئلة استمارة التأشيرة: هل سبق لك الانضمام إلى جماعة إرهابية؟ أو جماعة مسلحة؟ هل سبق أن أدنت في قضايا إرهاب؟ أو اتجار بالمخدرات أو التهريب؟ وغير ذلك من الأسئلة التي يفترض أن تكون كافية وزيادة للشك في هذا الشخص أو ذاك، فضلا عن التعاون المخابراتي القائم بين واشنطن وكل دول العالم تقريبا. أما إذا كان المقصود بالفحص الأيديولوجي وجود أسئلة لسبر أغوار ما في الصدور والضمائر فتلك مسألة أخرى. هنا قد نشهد أسئلة من قبيل: هل من الضروري إقامة الصلوات الخمس يوميا؟ ما رأيك في مناسك الحج ؟ هل تشرب الويسكي وترتاد الحانات؟
وهنا أيضا.. إمكانية التحايل كبيرة، ولهذا على ترامب أن يشرع من الآن في إجراءات طلبية كبيرة جدا لتترافق مع الفحص الإيديولوجي المباشر وليس عبر استمارة فقط: أجهزة كشف الكذب!!
٭ كاتب وإعلامي تونسي