لعل المتابع للشؤون الأمنية، خاصة في الضفة الغربية، وما تقوم به إسرائيل، من نشاطات استيطانية وأمنية في الضفة الغربية، وتحديداً منذ الاتفاق الفلسطيني - الفلسطيني على إجراء الانتخابات المحلية، وحتى الآن، من شأنه أن يلحظ، وبوضوح حرص السلطات الإسرائيلية، ومسؤوليها على رفع سوية الاستيطان، وازدياد حدة هدم منازل الفلسطينيين، بحجج متعددة، وتكثيف التوغلات داخل مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.
قبل يومين فقط .. أكد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان وخلال لقاء جمعه مع إعلاميين في مكتبه بتل أبيب، اكد، بوضوح، بأن لديه خطة، وصفها بخطة «العصا والجزرة» تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، موضحاً عزمه اللجوء الى عقوبات ستشمل تكثيف عمليات الجيش الإسرائيلي داخل مناطق «A»، خاصة فيما يتعلق بالهدم والإغلاق ومصادرة أموال وأملاك «الإرهابيين» وإلغاء بطاقات VIP، لكبار مسؤولي السلطة «المتورطين بالتحريض على الإرهاب». وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن خطة ليبرمان هذه ترمي الى تغيير الواقع السياسي والأمني في الضفة الغربية، وان المبدأ الذي يوجه هذه الخطة ويتحكم في مساراتها هو «أن من لديه استعداد للتعايش مع إسرائيل سيربح!! ومن يؤيد الإرهاب سيخسر»!!
هكذا، بوضوح وجلاء. ووفقاً لهذا المبدأ، قام ليبرمان بشرح أبعاد خطته تلك، مؤكداً عزم إسرائيل منح امتيازات للبلديات التي لا يخرج منها منفذو عمليات، في حين زيادة العقوبات على القرى والحمايل التي يخرج منها «مخربون»، وستسحب منهم تصاريح العمل، وستسحب الامتيازات من القياديين الفلسطينيين الذين يؤيدون «الإرهاب».
وأوضح ليبرمان أن إسرائيل تعتزم إنشاء موقع إلكتروني يتوجه الى السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، وسيتم وضع قائمة بأسماء شخصيات أكاديمية ورجال أعمال، ستجري إسرائيل اتصالات معهم من اجل تجاوز السلطة الوطنية الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس!! إضافة لرزمة تسهيلات اقتصادية ستقوم بها إسرائيل دون التنسيق مع السلطة.
لعل في ذلك، ما يؤكد مدى حرص السلطات الإسرائيلية، التدخل المباشر وغير المباشر بمسارات الانتخابات المحلية القادمة، ومحاولة خلق أجواء ومناخات، ولو كان معظمها مفصلاً من الجانب الإسرائيلي، للحيلولة دون فوز القوائم المحسوبة على السلطة وم.ت.ف، وفصائلها .. وفي حال وضع توجهات الحكومة الإسرائيلية، وخاصة ما تفوه به ليبرمان، في إطار الموقف الإسرائيلي العام، والحالة التي وصلت إليها أمور المفاوضات والخيارات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية، لا نجد عجبا، او ما يستدعي الغرابة.
إسرائيل وحتى على لسان رئيس وزرائها نتنياهو، أكدت سابقا، بأنها لم تعد ترى في الرئيس محمود عباس «أبو مازن» شريكا لها في عملية السلام، وبأنه لم يعد شريكا حقيقياً في عملية المفاوضات، ومنذ ما يزيد على العام، بدأت إسرائيل، في أخذ خطى عملية، عبر محاولتها تجاوز السلطة، بل والمساهمة بضخ عشرات الآلاف من المعلومات التي تهدف لإحداث الشرخ المطلوب، إسرائيلياً، ما بين السلطة وجموع الشعب الفلسطيني، عبر ادعاءات وأرقام ووقائع مزورة، وعبر أجهزة ومراكز، تعمل مع إسرائيل مباشرة، او من خلف حجاب.
ما جرى في الأسابيع القليلة الماضية، وما أدلى به ليبرمان مؤخراً، أوضح الأمور بما أزال اللبس والإبهام، حول دور إسرائيل في التدخل بالانتخابات المحلية.
لعله من نافلة القول، بأن هذا النهج الإسرائيلي سيزداد حجمه، وستتعدد وسائله كلما اقتربنا تجاه موعد إجراء تلك الانتخابات.
سنرى توغلات وتدخلات إسرائيلية داخل مناطق «A»، وسنشهد عمليات هدم واسعة في القدس والمناطق المحيطة بها وغير ذلك من الوسائل، للإيحاء للمواطن الفلسطيني، بأن وجود السلطة المركزية الفلسطينية، بات عبئاً عليه، وبأن التحلل من هذه السلطة والابتعاد عنها، سيحمل السعادة والرخاء والازدهار .. وسيترافق ذلك مع حملات مسعورة، ستخوضها مواقع ومؤسسات مكرسة بالأساس لتشويه صورة السلطة و «م.ت.ف».