كيف يصبح الهامشي رئيسياً ؟!

حسن البطل
حجم الخط

"ما هو في أيدينا لنا، وما هو في أيديكم لنا ولكم". "لنعرض نحن وليرفضوا هم نيابة عنّا". "دونم آخر.. غنمة أخرى". "سور وبرج". "كان هنا استيطان عربي، صار هنا استيطان يهودي. نحن نحول بلداً عربياً إلى بلد يهودي".
نبدأ من العبارة الأخيرة، المنسوبة للجنرال ـ الوزير موشي دايان قبل حرب حزيران 1967، وسوف نصل إلى العبارة الأولى. العبارتان الثانية والثالثة كانتا ناموس تحوُّل "الييشوف اليهودي" إلى دولة، والعبارة الأولى تفسّر الاستيطان اليهودي بعد 1967، وخصوصاً بعد اوسلو.
قبل سنوات، زار نائب الرئيس الأميركي جون بايدن إسرائيل، التي فاجأته بخطة إقامة مستوطنة "كريات شلومو" في القدس الشرقية. واشنطن احتجت وإسرائيل قالت إن توقيت نشر الخطة مصادفة غير مقصودة؟!
الآن، تحتج واشنطن على خطة هدم قرية سوسيا، جنوب الضفة، بحجة أن نصفها في المنطقة (ج) وتحتجّ أوروبا على خطة لنقل مدرسة في الخان الأحمر قرب "معاليه أدوميم"، مبنية من إطارات السيارات المستعملة، وقبل هذا الاحتجاج وذاك، تحذّر أميركا وأوروبا إسرائيل من خطة ربط مستوطنة ـ مدينة "معاليه أدوميم" بمستوطنات القدس الشرقية، لأن ذلك يعني عزل القدس الشرقية عن كل تواصل مع الضفة الغربية، ومن ثمّ فإنه قد يجعل "حل الدولتين" في خبر كان!
كانت احتجاجات دولية على "حلق" غابة جبل أبو غنيم بعد اوسلو، لإقامة مستوطنة "هار حوما"، وكذا على خطة بناء مستوطنة "جيلو".. والآن تتوسع المستوطنتان دون احتجاج دولي خاص، لأنهما صارتا جزءاً من "الكتل الاستيطانية"، منذ قال جورج بوش ـ الابن إن الكتل خاضعة لتفاوض لاحق!
هل الجدار يحقق: "ما هو في أيدينا لنا، وما هو في أيديكم لنا ولكم"؟
تقع مستوطنة "عوفرا" المسوّرة خارج الجدار، وقرب سلواد، وأقيمت المستوطنة على أرض خاصة للفلسطينيين في جزء منها، وفي جزء آخر على ما يسمّى "أراضي الدولة"، إلى جانب "عوفرا" (أي الناقة العفراء، أو على اسم مغنية إسرائيلية يمنية راحلة اسمها عوفرا) هناك "بؤرة" غير شرعية اسمها "عمونا" أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، وقررت محكمتهم العليا هدمها. ما الذي حصل؟
سيتم هدم جزء من البؤرة، ونقل بيوتها إلى مكان آخر، أقرب إلى مستوطنة "عوفرا" ولكنه، أيضاً، على أرض خاصة، بذريعة أن هذه الأرض الخاصة غير مفلوحة لمدة ثلاث سنوات، حسب قانون ملكية الأراضي العثماني، علماً أن إسرائيل هي التي تمنع فلاحة وزراعة هذه الأراضي بذريعة أنها محمية طبيعية!
تعرفون ثنائية الحروب الإسرائيلية القديمة، أي دبابة ـ طائرة، وكيف صارت ثنائية الاستيطان: معسكر جيش ـ بؤرة مستوطنة.
كانت أرض مستوطنة "بيت إيل" معسكراً للجيش الأردني، ثم معسكراً لجيش الاحتلال، وأقيمت في المعسكر بؤرة استيطانية لتخدم جعل المستوطنة ـ المعسكر مقراً للإدارة المدنية الاحتلالية.
الكتل الاستيطانية تُبنى فيها عمارات، لكن البؤر الاستيطانية خارج الكتل تُبنى على شكل بيوت ـ دارات (فيلات) لإمساك أكبر مساحة من الأرض، ثم التوسع، وبناء عمارات كبيرة فيها، بذريعة الازدياد الطبيعي للمستوطنين.
تمدّدت "بيت إيل" وأقيمت بؤرة بعيدة عنها على أرض فلسطينية بملكية خاصة، ونتيجة مرافعات قضائية، قررت محكمتهم العليا هدم البؤرة، واقترح المستوطنون فيها "نشر" البيوت وإعادة بنائها قريباً من مستوطنة "بيت إيل"، كأنها ذات قيمة مثل معابد أبو سمبل المصرية، التي قامت اليونسكو بنشرها ونقلها إلى منطقة لا يشملها غمر ماء بحيرة ناصر.
نظراً للكلفة العالية والاستحالة الفنية لنشر البيوت، ستقوم إسرائيل بنقل المعسكر في "بيت إيل" إلى حيث كانت البؤرة الاستيطانية، ونقل سكان البؤرة إلى "بيت إيل".
هكذا تحقق إسرائيل ثنائية أمن ـ استيطان، وتقوم بتدريبات عسكرية وحقول إطلاق نار في الأراضي التي تنوي إبعاد سكانها عنها، تمهيداً لإقامة معسكرات ثم بؤر ومستوطنات أخرى!
كان هناك في إسرائيل مَن ربط بين هدم بيوت بؤرة "عمونا" وهدم 50 ألف بيت فلسطيني في إسرائيل أقيمت دون ترخيص، لكن الفارق أن البيوت الفلسطينية أقيمت على ما تبقّى من أراض بملكية فلسطينية، لأن إسرائيل لا تعطي رخص بناء ولا مخططات هيكلية للتوسع الديمغرافي الفلسطيني، ومنذ إقامة إسرائيل لم يتم بناء أي قرية أو مدينة فلسطينية في إسرائيل.
حتى أوسلو، كانت أميركا وأوروبا والعالم بأسره، يقولون إن المستوطنات غير شرعية في القانون الدولي، والآن صاروا في أميركا وأوروبا والأمم المتحدة يقولون إن استفحال الاستيطان سيجعل من المتعذّر تحقيق "الحل بدولتين".
منذ وافق شارون وتعهد أمام بوش الثاني بإزالته البؤر الاستيطانية المقامة بعد اوسلو، في مقابل اعتراف واشنطن أن الكتل الاستيطانية صارت أمراً واقعاً، تقوم إسرائيل بشرعنة هذه البؤر وتسمينها.
في الأخبار أن الجرافات الإسرائيلية قامت بهدم قرية العراقيب البدوية في النقب للمرة الـ 102 منذ العام 2010 للسيطرة على 1300 دونم، وتجاهلت المحاكم الإسرائيلية البتّ في طلبات سكان القرية تسجيل الأراضي فيها، رغم قرار صدر في العام 1969 لتسوية الأراضي.
بدلاً من القول "الاستيطان غير شرعي" ثم القول المستوطنات تقوّض "الحل بدولتين" تتحمّل واشنطن مسؤولية قبول تحريك "الخط الأخضر" لجعل إسرائيل تقبل مشروع "الحل بدولتين" والآن، على واشنطن أن تقرّر وضع "خط أحمر" أمام إسرائيل أي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بهذا.