لعبة يتقنها الكيان جيداً: اقتراف المذابح وممارسة التطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين وهدم بيوتهم, وبخاصة في النقب, وممارسة أبشع أشكال التمييز العنصري ضدهم, والسماح لهم في آن معاً بالترشح وممارسة التصويت للانتخابات التشريعية للكنيست.
تذهب "إسرائيل" إلى العالم بالمسألة الأخيرة, لتقول إنها دولة”ديمقراطية”! يعيش العرب فيها على قدم المساواة مع اليهود!. للعلم, في إحصائية أجراها مركز “مدار” مؤخرا, كشف تقريره, رصدا للقوانين العنصرية والداعمة للاحتلال في الكنيست االصهيوني, الذي أعده الباحث الزميل برهوم جرايسي, ويقول فيه: أن الدورة الصيفية للكنيست، التي استمرت 11 أسبوعا، واختتمت يوم 3 من شهرأغسطس الحالي ,سجلت الذروة من القوانين العنصرية الصهيونية. فقد ارتفع عددها الى 82 قانونا مع انتهاء الدورة الصيفية، من بينها 14 قانونا قد أقرت نهائيا. كما لوحظت المساهمة النوعية للغالبية الساحقة من نواب ما يسمى بـ “المعارضة”, إن في المبادرة لإعداد هذه القوانين أو في التصويت عليها.
يقول التقرير, إن الدورة البرلمانية الصيفية القصيرة، كانت كافية لاقرار عمليا 8 قوانين بالقراءة النهائية، من بينها 3 قوانين تم دمجها كبنود منفصلة في قانونين آخرين. وبقي في مراحل التشريع 3 قوانين بالقراءة الأولى، و8 قوانين بالقراءة التمهيدية (من حيث المبدأ). فيما بقي 57 قانونا مدرجا على جدول الأعمال، وعدد ملحوظ منها, لديه فرص عالية جدا ليدخل مسار التشريع ويتم اقراره.
ووجد البحث في تصنيفات القوانين الـ82، أن 23 قانونا داعما للاستيطان بأشكال مختلفة، و31 قانونا يستهدف فلسطينيي 48 والقدس المحتلة معا، و3 قوانين تستهدف فلسطينيي الضفة على وجه الخصوص، و6 قوانين مدرجة تستهدف المراكز الحقوقية، أحدها تم إقراره نهائيا.وأبرز القوانين التي أقرت بمراحل مختلفة، أو أدرجت على جدول الأعمال: قانون ما يسمى “مكافحة الارهاب”، بالقراءة النهائية، وهو قانون واسع ومتشعب، يشمل الكثير من البنود التي ستقيّد النشاط السياسي المشروع ضد سياسات العدوان والاحتلال والتمييز العنصريالصهيوني. كما أن آلية تطبيقه تضمن ابعاد ارهاب المستوطنين عن الملاحقة القضائية في إطار هذا القانون.
لقد أظهرت المعارضة الصهيونية المتمثلة بكتلتي “المعسكر الصهيوني”، الكتلة الأكبر، و”يوجد مستقبل”، تواطؤا أشد من دورتي الشتاء والصيف السابقتين، وهذا انعكس في هبوط نسبة اعتراضهم على هذه القوانين، بنسبة أشد مما كانت عليه سابقا .. هذا الوقت الذي تشير فيه قوانين الأساس (والتي هي بديل للدستور) في الدولة الصهيونية إلى أنها”دولة يهودية”.
أيضا اتخذ الكنيست االصهيوني, العديد من القوانين الصارمة بحق النواب العرب في الكنيست. من أبرز هذه القوانين: قانون “الاقصاء”، الذي يتيح لغالبية كبيرة من أعضائه ,اقصاء نائب,بدواعي ما يسمى بـ “التحريض على العنصرية”,أو دعمه للكفاح المسلح ضد الكيان.القانون هو تعديل لقانون أساسي، جرت مناقشته قبل أشهر قليلة من الآن, ويستهدف القانون النواب العرب دون سواهم.جاء تشريع القانون بمبادرة من نتنياهو، في شهر فبراير الماضي.
طلب الكيان ولايزال من دول العالم ومن الدول العربية والفلسطينيين, الاعتراف “بيهودية دولته ” , وجعل من ذلك اشتراطاً للتسوية مع الطرفين الأخيرين.برّأ القضاء الإسرائيلي قتله الناشطة الأميركية راشيل كوري، التي قتلتها عن سابق إصرار وعمد، جرافة إسرائيلية, بقرار من الجيش الإسرائيلي المحتل، وهي تحاول منع الجرافة من هدم بيت فلسطيني.إنه نفس القضاء الذي أباح تعذيب الأسرى الفلسطينيين على أيدي المخابرات الإسرائيلية. إنه نفس القضاء الذي حكم على الضابط المسؤول (شيدمي) عن مجزرة دير ياسين، بقرش واحد.
ونفس القضاء الذي يبرئ قتل الفلسطينيين على أيدي رعاع المستوطنين، وعصابات القتل الصهيونية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، ونفس القضاء الذي يبيح للجيش: مصادرة الأرض الفلسطينية، والبيوت وهدمها.نفس القضاء الذي أتاح اعتقال بلال الكايد إداريا بعد 14 عاما ونصف العام من السجن,في نفس يوم موعد إطلاق سراحه, تم اعتقاله من جديد. إنه نفس القضاء الذي أقر جلسة النظر في استئناف محاميته بعد شهرين, مع أنه مضرب عن الطعام منذ شهرين!.
للعلم أيضاً, فإنه ورغم تواجد النواب العرب في الكنيست, فقد سنت الأخيرة 32 قانوناً عنصريًّا ضد العرب حتى العام 2008 (أي بعد ستين عاماً من إنشاء الدولة الصهيونية).
وفي الأعوام الأربعة الأخيرة فقط تم سن العديد من القوانين العنصرية, كما توجد العديد من مشاريع القوانين العنصرية على جدول أعمال الكنيست لإقرارها (كما أوضحنا في المقدمة)، الأمر الذي يعني شيئاً واحداً فقط , أنه ومع مرور الزمن فإن نتائج الانتخابات التشريعية , تبين , أن الذي يتطور في "إسرائيل" هو عنصريتها ومذابحها وفاشتيها , وإصرارها على أن تكون دولة لليهود فقط ، بما يعنيه ذلك, من إمكانية حقيقية لممارسة تهجير قسري (ترانسفير) للعرب فيها.
القانون الأساسي ال"إسرائيل"ي لا يسمح لحزب عربي خوض المعركة الانتخابية للكنيست, إذا كان برنامجه السياسي, لا يعترف بكون "إسرائيل" دولة الشعب اليهودي، فمثلاً إذا كان برنامج الحزب السياسي ينص على وجوب تعديل قانون العودة، أو إلغائه (هو قانون يسمح لكل يهودي في العالم بالهجرة إلى "إسرائيل" وحيازة الجنسية الإسرائيلية) لكونه يميز ضد الأقلية العربية، لن يسمح له بخوض المعركة الانتخابية! وعليه لا يستطيع حزب عربي يريد المشاركة في المعركة الانتخابية, أن يطالب بالمساواة الكاملة للأقلية العربية في برنامجه السياسي.إن النائب الفلسطيني العربي الناجح في الانتخابات عليه أن يقسم على الولاء لدولة "إسرائيل" اليهودية، ولا يحق له الامتناع عن ذلك، لأن القَسَمْ مفروض على كل ما حازوا على عضوية الكنيست.
المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية هو موضوع خلافي بين جماهيرنا وأهلنا في المنطقة المحتلة عام 1948، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أُجريت في أوساطهم مؤخرا: فإن النسبة هي 50-50% ,في الوقت الذي نحترم فيه وجهة نظر المشاركين (مع أننا نقف ضد هذه المشاركة) فإننا نتوجه إليهم بالسؤال التالي ماذا تحقق لكم من كل هذه المشاركات في الكنيست؟ ليس من الصعوبة بمكان معرفة الجواب، فمع أن المشاركة جاءت منذ الكنسيت الأولى، فإن ما تحقق هو المزيد من التطرف والعنصرية والإجرام الإسرائيلي، ومزيداً من اضطهاد أهلنا في منطقة 48، وسن القوانين العنصرية ضدهم. قد يقول قائل من مؤيدي المشاركة, نستطيع قول رأينا في الكنيست، ونستطيع الحد من العنصرية والتطرف، والرد على الفاشيين، ونستطيع منع تمرير بعض القوانين والمحافظة على حقوقنا…. إلى آخر الأقوال, التي تبرر مبدأ المشاركة!
بمختصر مفيد نجيب: أن ما يستطيع النواب العرب في الكنيست تحقيقه (وهو جد ضئيل) لا يوازي نقطة في بحر الإيجابيات, التي تجنيها "إسرائيل" من وراء هذه المشاركة, فهي تبدو وكأنها دولة (ديموقراطية) مع أنها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية (التي يجري تطبيقها على اليهود فقط، ومع ذلك فإن هناك تمايزا بين اليهود أنفسهم، بين الشرقيين “السفارديم” والأشكناز”الغربيين”).
الديمقراطية هي كل واحد لا يتجزأ، فلا يمكن لحزب أن يكون ديمقراطيًّا وصهيونيًّا في نفس الوقت، وديمقراطيًّا وعنصريًّا، وديمقراطيًّا وفاشياً، وديمقراطيًّا وعدوانيًّا! . باستثناء الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) والقوائم العربية، فإن كافة الأحزاب الإسرائيلية صهيونية حتى العظم، برغم فرزها إلى يمين ووسط ويسار! .
-الوطن العمانية