مهما كانت الأسباب والمبررات، فإن رفع السلاح في وجه رجل الأمن والقوى الشرطية، لا يمكن اعتباره أو إدراجه إلاّ في خانة الجريمة، وضرب مقومات السلم الأهلي. ما جرى في البلدة القديمة بنابلس، هو جريمة يعاقب عليها القانون، ولا يمكن توصيف من قاموا فيها، إلاّ بالخارجين عن القانون.
ما جرى كان يحتاج إلى توضيح أشمل وأعمق، مما حدث، خاصة من لدن الناطقين باسم أجهزة الأمن. ما جرى لم يكن نبتاً شيطانياً أو مفاجئاً، فمن قاموا بفعلتهم الإجرامية، والإقدام على قتل اثنين من رجال الشرطة، لهم سجل حافل بالخروج عن القانون، كان من الواجب تقديم طروحات للرأي العام الفلسطيني، كي تتضح الصورة أكثر... ولإجرامهم وخروجهم عن القانون أشكال شتى، مورست سابقاً، خاصة إبّان الانتفاضة وبعدها، وسبق أن عولجت، معالجة حكيمة وهادئة، وأتت ثمارها، نقمة على المجتمع والاقتصاد الفلسطيني.
لماذا الآن، ازداد «الفلتان» الأمني، ولماذا عادت مظاهر الخروج عن القانون. هناك أرقام أعلنتها أجهزة الأمن، وشكّلت صدمة للشارع، خاصة بمصادرات السلاح من حيث النوعية والكمية على حد سواء.
الخروج عن القانون، يحتاج إلى تفاصيل وإيضاحات عديدة، محددة وواضحة للغاية، وإلاّ اختلطت الأمور، بعضها ببعض، ما يزيد الطين بلّة، خاصة وأننا نعيش في مرحلة، تتداخل بها الأمور، ولإسرائيل نصيب فيها!
ما جرى من عمليات قتل وإطلاق نار، تجاه المؤسسة الشرطية والأمنية الفلسطينية، هو خطير، بل وخطير للغاية، ويجب علاجه بحسم وحزم، وإلاّ فلتت الأمور، وأصبح الأمن الاجتماعي والاقتصادي في مهبّ الرّيح. لا مصلحة لأحد، بالفلتان الأمني، سوى لإسرائيل، ومن يعملون معها؛ مباشرة، أو من خلف حجاب.
على الخطاب الأمني الفلسطيني، إيضاح مفهوم تجاوز القانون، من هم الذين قاموا به... خلفياتهم وماضيهم، وفي أي جانب حدث هذا التجاوز، وفي حال إلقاء القبض على بعضهم، تقديمهم للرأي العام، عَبر حوارات متلفزة، وأن يكون تحويلهم للقضاء والعدالة، معلناً وشفّافاً، وبالتالي يكون المجتمع مطلعاً عمّا يجري، في سير المحاكمات وفي الأحكام الصادرة بحقهم.
لعلّه من نافلة القول، إن ما جرى في نابلس، وما تم استخدامه من مصطلح «الخارجون عن القانون»، هو شيء، وحريّة التعبير والاختلاف السياسي شيء آخر.
ما جرى هو عمل إجرامي بامتياز، وقتل الشرطيين، هو محاولة قتل الإرادة الجماعية، التي تنشد الأمن والاستقرار، لأن رجل الشرطة، هو رجل تنفيذي للقانون، وللإجراءات القانونية، وليس عدواً لمن يقوم بتنفيذ القانون بحقه، لا يوجد عداوة بين رحل الشرطة، وأي فرد في المجتمع بالمعنى الشخصي والفردي.
ما تم التصريح به، من لدن الناطقين باسم أجهزة الأمن، لم يكن محدداً بما فيه الكفاية، ما سيشكل ثغرات يمكن العبور من خلالها، تخلط الأوراق، وعلى غير المصلحة العامة.
يجب التفريق بوضوح، بين العمل الإجرامي، بالمعنى القانوني، كممارسة الابتزاز والسرقة والاتجار بالمخدرات، وتجاوز القانون المعمول به، وبين الخلاف السياسي الذي لا يزال قائماً في مجتمعنا. بين العمل الإجرامي، والعمل السياسي عامة.
هنالك خلافات، وهي خلافات تطال الرؤية والعقيدة الأمنية إجمالاً، وخلافات سياسية ستكون أشدّ وضوحاً، كلما اقتربنا من موعد الانتخابات البلدية. علينا أن نفرق، تفريقاً واضحاً بل وشديد الوضوح، بين هذا وذاك.
المجتمع الفلسطيني، بكافة فئاته وألوانه ومذاهبه، يفرق بين هذا وذاك، ويرى في عملية الخلط، ما لا يحمد عقباه.
ما يجري ميدانياً في نابلس، هو محاصرة البؤر الإجرامية، ويجب الدفع بهذا التوجه حتى النهاية، بهدف القضاء على تلك البؤر واجتثاثها من جسم المجتمع، ولو اقتضى ذلك عمليات جراحية ـ جزئية.