نشرت «الغد» الأردنية دراسة إحصائية أعدها د. جميل شاهين لصالح مركز الدراسات الألماني «فيريل»، جاء فيها أن مجموع المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا ضد الجيش السوري، منذ أبريل 2011 حتى نهاية كانون الثاني 2016، بلغ 360 ألف مقاتل أجنبي، ينتمون إلى 93 جنسية، موزعين على كافة القارات، وأن مسلحين جاؤوا من كافة الدول العربية دون استثناء، ويشمل العدد كل من شارك في القتال بشكل مباشر، أو بالدعم اللوجستي، ومُجاهدات النكاح، قُتل منهم نحو 95 ألفاً. يوجد منهم حالياً ما يقرب من الـ90 ألفاً، وأغلبيتهم الساحقة ينتمون لـ»داعش» وجبهة النصرة، منهم 21500 يحملون جنسيات أوروبية وأميركية، عاد منهم فقط 8500 إلى دولهم.
ووفقاً للدراسة، فإن تركيا تحتل المرتبة الأولى بعدد المقاتلين الإجمالي، ويشمل ذلك عناصر وضبّاطاً من الجيش والمخابرات التركية، وتساويها بالعدد تقريباً السعودية بنحو 24500 مقاتل، قُتل منهم 5990، تليها الشيشان بنحو 21 ألف مقاتل، ثم فلسطين بنحو 14 ألف مقاتل، قُتل منهم 4920، أما عدد الأردنيين فبلغ 3900، قُتل منهم 1990. وبالنسبة لعدد النساء الأجنبيات ما زالت تونس تتصدر القائمة بنحو 180 امرأة ومراهقة شاركن بجهاد النكاح، وفقاً للتقرير، قُتل منهن 45 امرأة. وقدرت الدراسة، أنه تم صرف حوالى 45 مليار دولار لتمويل الأعمال العسكرية ضد الجيش السوري خلال الخمسة سنوات الماضية.
الأرقام مخيفة وصادمة، ولكن المنهجية التي اتبعها الباحث، والمصادر التي استند إليها تعطي الدراسة درجة مقبولة من المصداقية، خاصة وأنها تتطابق إلى حد ما مع الإحصاءات التي دأبت منظمات دولية على إصدارها من حين لآخر. ومع ذلك، من حق أي شخص أن يشكك في دقة الأرقام.. وبغض النظر عن مدى دقتها؛ من المؤكد وجود عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب على الأراضي السورية، وهذه النقطة بالذات تستدعي الوقوف أمامها مطولاً.
عندما انطلقت الثورة السورية، كانت في بداياتها شعبية سلمية هادرة، تطالب بالحرية والعدالة والكرامة.. ثم ما لبثت خلال أقل من عام حتى بدأت جموع المسلحين من مشارق الأرض ومغاربها تتسلل للثورة، حتى هيمنت عليها.. فهل جاءت تلك الآلاف المؤلفة من أجل نصرة الشعب السوري، وإيمانا منها بعدالة مطالبه؟! الجواب «لا» كبيرة وقاطعة.. هؤلاء أتوا لإسقاط النظام، ولكن لأسباب مختلفة، وخدمة لأجندات سياسية دولية متباينة، ولا علاقة لها بقضايا الشعب السوري وأولوياته؛ لذلك فرّغوا الثورة من محتواها الشعبي، ومن قيمها الحضارية، وحرفوها عن مسارها الأصلي، وحولوها من ثورة نظيفة إلى حرب أهلية طاحنة..
بعض هؤلاء أتوا بنوايا حسنة، تحت شعار «الجهاد في سبيل الله»، ومن أجل «الحور العين»، وبعضهم جاء بدافع المغامرة والرغبة بممارسة العنف، ومن أجل الغنائم والسبايا.. ولكنهم في المحصلة، كانوا مجرد بيادق تحركها قوى خارجية تتصارع للهيمنة على الإقليم، وعلى أنابيب الغاز.. ما يذكّرنا بعشرات الآلاف من «المجاهدين» العرب الذين التحقوا بحرب أفغانستان، ظناً منهم أنهم مجاهدون في حرب مقدسة، قبل أن تأتي «طالبان» وتكنسهم وتكّفرهم.. وفي تلك الآونة كان من ينتقدهم يوصم بالكفر والإلحاد!
في العام 1982، اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان، واشتبك بشكل مباشر مع قوات الثورة الفلسطينية في حرب ضروس دامت ثلاثة أشهر، وخلال هذه الحرب كانت الأغلبية الساحقة من المقاتلين (بعد الفلسطينيين) لبنانيون وسوريون، وبضعة مئات من مقاتلين عرب وأجانب.. ولم يحضر أحد من هؤلاء المجاهدين.. فكيف، ولماذا يأت إلى سورية اليوم 360 ألف مقاتل!! فهل قضية إسقاط النظام السوري أكثر أهمية وقدسية من محاربة إسرائيل، وصد هجومها على لبنان؟!
ومنذ العام 2000 إلى الآن، خاض الفلسطينيون انتفاضتين وثلاثة حروب، وما زالوا يتعرضون لاحتلال وعدوان غاشم، وما زالت جبهة الصراع مع إسرائيل مفتوحة.. ومع ذلك لم نسمع عن محاولة تسلل واحدة إلى فلسطين!! فهل الجهاد ضد الجيش السوري أولى من الجهاد في فلسطين!
الدراسة لم تتطرق لآلاف المقاتلين الإيرانيين واللبنانيين (حزب الله) والروس والأفغان الذي يقاتلون إلى جانب النظام، فبإضافة هؤلاء إلى أولئك يعني أن سورية تحولت إلى ساحة حرب عالمية مصغرة، وأن السوريين لم يعودوا أصحاب الثورة، بل أصبحوا مجرد قرابين وضحايا؛ فالجيوش والميلشيات والمسلحين يتقاتلون، والمدنيون يدفعون الثمن.
قوات النظام وحلفاؤه مع قوات المعارضة بكافة تشكيلاتها يتوزعون على أكثر من مائة فصيل، كل فصيلٍ يدّعي أنه صاحب الحق، وأنه يخوض حرباً مقدسة.. النظام يدافع عن مكتسباته، البعض يريد دولة مدنية ديمقراطية، والبعض يريد خلافة إسلامية، وجميعهم ماضون في حربهم التدميرية، ولن يتوقفوا حتى لو أبيد الشعب السوري بأكمله، ولو تدمرت البلد كليا، وتحولت إلى أكوام من الردم والخراب!! وليس غريبا أن كل طرف يعتقد جازما أنه سينتصر، وأنه سيقيم دولته، حتى لو كانت على أكوام من الجماجم؛ لأنهم اعتبروا الأيديولوجية أهم من الشعب، والهدف السياسي أهم من حياة المواطن..
لنتأمل قليلاً في الأرقام ودلالاتها.. كيف وصل 360 ألف مقاتل إلى سورية؟ بالتأكيد لم يهبطوا بالمظليات؛ الأغلبية الساحقة دخلت من خلال تركيا، بعلم مخابراتها وتسهيلاً منها.. ما يعني أن تركيا متورطة في هذه الحرب، ومسؤولة عن كل الخراب الذي نجم عنها.. والدول الغربية أيضاً مسؤولة، لأنها متواطئة، فلو تسلل عشرة مقاتلين فقط إلى «إسرائيل»، لتنبّه العالم جميعه على الفور!
وهؤلاء «نفروا» إلى سورية بتمويل سعودي، قدرته الدراسة بنحو 45 مليار دولار. وكانت دول قد موّلت المجاهدين الأفغان (1979~1988) بنحو 22 مليار دولار، كما حرّض مشايخها الشبان العرب على الالتحاق بالحرب الأفغانية، بنفس الآلية، وبنفس الخطاب، ونفس الدعم الأمريكي.. في الحرب الأفغانية صنعوا طالبان والقاعدة، وفي الحرب السورية صنعوا داعش والنصرة.. ولكن هذه المرة أضافوا اختراعاً جديداً (جهاد النكاح).
14 ألف فلسطيني متورط في هذه الحرب!! طبعاً نقدر أن أغلبيتهم مقيمون أصلاً في سورية، ولكن لماذا تنحرف بوصلة هؤلاء عن القدس!؟ لماذا نخسر آلاف الضحايا في حرب ليست لنا؟ لماذا وكيف يترك فلسطيني وطنه، ويتسلل عبر الحدود، متجاوزاً كل الأخطار ليُقتل أخيرا في حلب؟ علماً أن الحاجز الإسرائيلي على بعد مائة متر من منزله!