شهدت غزة خلال الساعات الاخيرة من يوم امس و صباح اليوم قصف اسرائيلي على اهداف فلسطينية في قطاع غزة ، في الغالب غير مأهولة كرد فعل على اطلاق صاروخ قيل انه اطلق من غزة امس و اعلنت مسؤليتها جماعه غير معروفه اطلقت على نفسها " احفاد الصحابه" .
و على الرغم ان اسرائيل تدرك ان حماس و الفصائل الفلسطينية الاخرى ليس لهم علاقه بالامر و غير معنيين بالتصعيد ، الا ان رسالة ليبرمان كوزير للجيش هي ان اسرائيل اصبحت جاهزه للمواجهه و سترد على اي عملية قصف باكثر قوة حتى و ان ادى ذلك الى تصعيد الوضع و الدخول في مواجهه شاملة تنسجم مع التهديدات الاسرائيلية المتكرره بتغيير قواعد اللعبه هناك.
ما حدث بالامس على الارجح انه لن يتدحرج اكثر من ذلك طالما الطرف الفلسطيني المسيطر على القطاع غير معني بهذا التصعيد ، و طالما لم تصدر ردة فعل من غزة على هذا القصف .
هذا يعني ان تصعيد ليبرمان الكلامي و تهديداته المتكرره ليست بالضرورة قابلة للترجمة الفورية على ارض الواقع. حتى الان اسرائيل غير معنيه بمواجهه و حماس كذلك . هذا على الرغم من الظروف العصيبة وحالة الضغط التي تعيشها غزة و اهلها نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة و ارتفاع معدلات البطالة الى ارقام فلكيه، خاصة بين الشباب . على الرغم من ذلك ، لم يحن موعد الانفجار بعد و على الارجح ان يعود الهدوء الى ما كان عليه قبل يوم امس.
التصعيد في غزة سبقه تصعيد كلامي و تصريحات ناريه لوزير الجيش الاسرائيلي افيقدور ليبرمان و التي اثارت حفيظة السلطة الفلسطينية و قياداتها و التي عبر خلالها عن استخفافه بالسلطة و بالرئيس عباس و ان اسرائيل ستتعامل مع السكان الفلسطينيين بشكل مباشر وفق سياسة العصا و الجزره.
سياسة تعتمد على فتح خطوط مباشره مع شخصيات فلسطينية اقتصادية و اكاديمية و شرائح اخرى في المجتمع الفلسطيني . سياسة تعتمد على معاقبة القرى و البلدات و المناطق التي تمارس العمل ضد الاحتلال و تقديم تسهيلات للمواطنين في المناطق التي تحافظ على الهدوء .
تصريحات اثارت حفيظة السلطة على الرغم انها لا تحمل اي جديد، و ليبرمان لم يضيف اي شيء للسياسة الاسرائيلية التي اعتمدتها منذ احتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية عام ١٩٦٧. دائما تعاملت اسرائيل بسياسة العصا و الجزره ، و دائما تواصلت مع المواطنين الفلسطينيين قبل اوسلو و استمرت كذلك بعد اوسلو و تواصلت بعد انشاء السلطة الفلسطينية. مكاتب الادارة المدنية لم تغلق ، في مراحل معينه كان هناك مراعاة للسلطة و مؤسساتها و في مراحل اخرى كان هناك تجاهل كامل لها.
على سبيل المثال، ما يعرف بمنسق شؤون المناطق في الحكومة الاسرائيلية الجنرال يؤاف مردخاي انشأ منذ اشهر صفحة على الفيس بوك و صل عدد متابعيها الى ما يقارب الخمسين الف غالبيتهم العظمى من الضفه و غزة ، يدير هذه الصفحه طاقم من موظفي مكتبه و يعملون على التواصل مع المواطنين مباشرة قبل ان يصبح ليبرمان و زيرا للجيش.
حتى خلال الشهور الاخيرة التي ارتفعت فيها وتيرة الاحداث تعاملت اسرائيل بنفس سياسة العصا و الجزره . تعاملت بقسوة مع بعض المناطق و القرى كما حدث مع يطا و السموع و صادرت تصاريح العمل من عائلات الشهداء و في نفس الوقت زادت من تصاريح العمال في مناطق اخرى و لم تغلق المناطق و تمنع دخول العمال حتى في ذروة الاحداث.
الجديد في تصريحات ليبرمان الاستفزازية هو ما تحمله من استخفاف للسلطة و مؤسساتها ، ما تحمله من استخفاف للرئيس عباس شخصيا و استخفاف بالحالة الفلسطينية بشكل عام.
ليبرمان يريد ان يقول ان السلطة من الناحية العملية غير موجودة على ارض الواقع و ان الجيش الاسرائيلي و مكاتب الادارة المدنية المتواجدين في كل مدن ومحافظات الضفة هم الذين يديرون الامور بشكل فعلي هناك، و ان السلطة في احسن الاحوال هي عبارة عن مجلس بلدي كبير يمارس فتات الصلاحيات بما يتفضل عليه الاحتلال.
ليبرمان يدرك ان الشعب الفلسطيني يتمتع بوعي كامل وحصانه وطنية و لن يجد من يتجاوب معه للتآمر على الشعب الفلسطيني و قضيته. لم تنجح اسرائيل في السابق و لن تنجح في المستقبل .
مع ذلك ليبرمان يريد ان يقول بطريقته الاستفزازية ان قيادة السلطة في واد و الشعب الفلسطيني في واد اخر . وفي سياق هجومه المتواصل على الرئيس عباس وقيادة السلطة يقول ان رئيس السلطة ليس له سيطرة على غزة و لم يدخلها منذ عشر سنوات ، بل هو لم يدخل جنين منذ توليه السلطة و لا يتجول في محافظات الوطن، رئيس سلطة لم يزور يوما ليس جنين ، بل لم يزر مخيم الامعري الذي يبعد مئات الامتار عن المقاطعه، لم يفكر يوما في زيارة مخيم الجلزون الذي يبعد مئات الامتار عن منزله و لم يمر مجرد مرور عن مخيم قلنديا الذي يقع على الطريق الرئيسي بين القدس و رام الله.
ليبرمان يطلع بشكل يومي بحكم موقعه كوزيرا للجيش على تقارير استخبارات الجيش و تقارير الشاباك، التي تقول له ان القيادات الفلسطينية مشغولة في بعضها البعض، واحيانا كثيرة في صغائر الامور ، و ان الفصائل الفلسطينية تهاجم بعضها اكثر من مهاجمتها للاحتلال، و ان الشعب الفلسطيني يعاني الانقسام و ان المؤسسات الفلسطينية مشلولة .
التقارير التي تصل ليبرمان تقول له ان كل الشرعيات الفلسطينينة قد تآكلت صلاحياتها منذ زمن و ان منظمة التحرير التي كانت الخيمة التي يستظل بها كل الفلسطينيين قد شاخت و ان حركة فتح التي تشكل عامود الخيمة للمنظمة و السلطة و المشروع الوطني اقل ما يقال انها ليست بخير و هناك عملية تقزيم لدورها و مكانتها. الخطر الحقيقي على الفلسطينيين و مستقبلهم، فهي لم تحمل اي جديد. الخطر الحقيقي على المشروع الوطني و السلم الاهلي هو استمرار الانقسام الفلسطيني، الخطر الحقيقي في استمرار الفصل بين غزة و الضفة، الخطر الحقيقي و المؤامرة الحقيقية في تعطيل استنهاض المنظمة و اصلاحها، الخطر الحقيقي في عدم استنهاض حركة فتح و العمل على تفتيتها و اضعافها و تهميش دورها ، المؤامره الحقيقية في تعطيل المجلس التشريعي و عدم اجراء الانتخابات الرئاسية و التشريعية. الخطر الحقيقي في تركيز السلطات و الهيمنه عليها و استخدام القانون ليس لحماية الوطن و المواطن بل عصا ضد الخصوم و المعارضين.
هذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد المشروع الوطني الفلسطيني و يضعف المناعه و يقوض صمود الفلسطينيين على ارضهم و ليس تصريحات ليبرمان التي لا تحمل اي جديد.