مثل المريض في غرفة الإنعاش، والذي هو موصول بالحياة عبر الأسلاك الكهربائية، هكذا تبدو حركة حماس، منذ بضع سنوات، وتحديدا، منذ ثلاث سنوات، أي منذ أن سقط حكم المرشد في مصر، وإقدام الدولة المصرية على إغلاق الأنفاق التي كانت مصدر حياة سفلية لحركة تدمن ـ أصلا ـ العمل تحت الأرض، وتتقن الإعداد في الخفاء، وتعشق الحياة السرية التي كلها أسرار، حيث تمارس في السر ما تخشاه في العلن، على عكس ما أوصى به الإمام علي بن أبي طالب «كرم الله وجهه» حيث قال، لا تقم بعمل في السر تخشى منه في العلانية!
حركة جماهيرية موجودة في كل مكان يوجد به فلسطينيون ـ وفي مصر كان الإخوان يعدون 5 مليون منتسب ـ ولا احد يكاد يعرف برنامجها السياسي، أو حتى نظامها الداخلي، فضلا عن مصادر تمويلها، مشاريعها الاقتصادية، هيئاتها القيادية، انتخاباتها، اجتماعاتها، قراراتها، لدرجة أن تبدو مثل الحركات السرية، حتى بعد أن وصلت للحكم منذ عشر سنوات في فلسطين، هذا الوصف يذكرني بما قاله يوما مراقب إعلامي إبان محاكمة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، الذي كان يدخل قاعة المحكمة على سرير، حيث قال المراقب ان مبارك ينطوي على خبث الفلاح المصري، الذي كان أيام الإنجليز حين يراهم يداهمون الحقول لإلقاء القبض على الرجال، كان يتمدد في الحقل، كما لو كان ميتا، حتى يمر الموقف على خير بالنسبة له.
أما حركة فتح فهي تعاند منطق التاريخ والتطور، وتصر على أن تصلح لكل زمان ومكان، مع أن الظروف التي جاءت بها قد اختلفت، ومع أن واقعها الداخلي يؤكد ضرورة تجاوزها، بل إن الواقع قد تجاوزها بالفعل، حين اجتازتها «حماس» قبل عشر سنوات وعجزت هي رغم الفرصة التي منحتها لها «حماس» عن غباء وقلة خبرة، لإعادة الأمور، واحتواء «حماس»، كما كانت تفعل في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مع فصائل اليسار.
رغم ذلك فإن «الشعب» ما زال يصوت بأغلبيته لـ(فتح وحماس)، وحتى لو ظهر «اليسار» كقطب ثالث فإن ذلك لن يغير من واقع الأمر شيئا، واقع الأمر الذي يقول إن الشعب الفلسطيني ببنيته الداخلية ما زال عاجزا، أو غير ناضج لدرجة كافية تؤهله للانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولته المستقلة التي عجز عن إقامتها في ظل الحرب الباردة حيث كان نصف الكون معه، وكانت حركة التحرر الوطني بفكرها القومي تقوده، فكيف له أن يحقق الآن، في عصر التفرد الأميركي، وفي ظل قيادة مزدوجة داخلية بين حركة تحرر وحركة إسلام سياسي، تهمها طبيعة الحكم والنظام أكثر مما يهمها طرد الاحتلال، وهذا ينطبق على التحرير كما ينطبق على «حماس»؟
من الصعب أن يقتنع احد أن لحظة الانعتاق قادمة قريبا، ما دام الشعب غير قادر حتى اللحظة عن أن ينجب بديلا عن «فتح» غير «حماس»، أو انه ما زال يتشبث بـ»فتح» درءا لـ»حماس»!
المهم أن «حماس»، ومنذ ثلاث سنوات وهي تعيش على الدعم القطري والتركي، وهي كلما اشتد حبل الحصار حول الرقبة، رفعت يدها لتشير بالاستسلام، حيث سرعان ما يتقدم لها احد بشربة الماء، التي لا تروي الظمأ ولكنها تبقي على الروح التي تكاد تخرج من الجسد.
خلال الثلاث سنوات، تقدمت «حماس» خطوة باتجاه إنهاء الانقسام، عبر حكومة التوافق، لكنها بقيت تصر على أن تظل الحكومة شكلية، تماما كما هو حال حكومة الشيعة في بغداد بالنسبة لأربيل ومناطق الأكراد في شمال/ غرب العراق، أو تماما، كما هو حال الحكومة اللبنانية من الضاحية الجنوبية لبيروت، لكن قسوة المعاناة اشتدت، فلم تعد «حماس» قادرة على دفع رواتب موظفيها الذين يدافعون عن حكمها الناجم عن انقلابها العسكري قبل تسع سنوات، وللعام التاسع على التوالي تعجز عن حل مشكلة الكهرباء المستمرة في غزة، فضلا عن تحقيق الأرقام القياسية في البطالة، والفقر، ولجوء نحو 80% من سكان غزة إلى معونات الإغاثة الدولية.
ما يثير الأسى في حالة «حماس» هو أنها ـ سريعا ـ قد واجهت تلاشي الحلم والأمل، فبعد أن كانت عنوانا للمقاومة الفلسطينية لدى الكثيرين، وبعد أن وصلت للحكم قبل تسع سنوات وأظهرت قدرا بالغا في حب الحكم، وفي الرغبة بالعيش في رغده، وفي إظهار البيروقراطية لدى قيادتها، وبمجرد أن لاح في الأفق أن عصر الإخوان قادم وقد تحالف مع قطر وتركيا، حتى قلبت «حماس» ظهر المجّن لسورية وإيران، فصارت الآن بالكاد تجد من يدافع عنها في الشارع العربي، وحتى في الشارع الفلسطيني، صارت هي و»فتح» مثل أهلي وزمالك مصر، أو مدريد وبرشلونة إسبانيا، عنوان التجاذب وحسب.
المشكلة الآن هي أن قطر القادرة على إعادة أعمار غزة بلحظة، وعلى إطلاق المشاريع فيها خلال أيام، لا تقدم على أكثر من عملية تنقيط الماء في حلق «حماس» الجاف، كما أن تركيا، وهذا يدل على سوء طالع أو قتامة مستقبل لـ»حماس»، تتحول الآن بالاتجاه المعاكس، فما أن تضمن لها روسيا التي باتت حليفها الدولي، والتي تبعدها شيئا فشيئا عن الغرب، تتفق مع روسيا على حل في سورية يبعد عنها شبح الأكراد/ الأتراك وطموحاتهم في توسيع الحكم الذاتي ليشمل مناطقهم في العراق ـ سورية ـ تركيا، حتى تغلق الباب في وجه «حماس»، أما
قطر فإنها تنتظر أن تتحول «حماس» إلى حمامة بيضاء أكثر من «فتح»، وبعد أن تضمن الرضا الإسرائيلي، وأنها قد وضعت يدها تماما على غزة، يمكن حينها ـ فقط ـ أن يخرج المريض من غرفة العناية المركزة!
أنباء عن تسليم حماس عدداً من الرهائن الأجانب خلال ساعات
23 أكتوبر 2023