أكثر من مرة جرى التأكيد فيها على عمق الروابط بين دولة الاستعمار الاسرائيلية والولايات المتحدة الاميركية وتنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق "داعش". لم يكن ذلك نتاج قراءات سطحية او إسقاطا رغبويا على الواقع القائم. إنما هو إستنطاق للتحولات الجارية في دول الاقليم بالارتباط مع المخططات والمشاريع الاستراتيجية للقوى الكونية الرأسمالية واداتها الاستعمارية في الشرق الاوسط، إسرائيل. وتلازم ذلك مع التوجهات السياسية والامنية المقترنة بشعارات ومبادىء عمل أعلن عنها في سياق التمهيد لتصفية حقبة (مؤامرة) سايكس بيكو وولوج حقبة جديدة أكثر دموية وتمزيقا لدول وشعوب الامة العربية، وإسقاط خيار الدولة الوطنية وفكرة القومية العربية لتسييد دولة التطهير العرقي الاسرائيلية عليها وعلى الشرق الاوسط عموما، عنوانها "الشرق الاوسط الجديد او الكبير".
ولتسليط الضوء على موقف القيادة الاسرائيلية والمراكز المؤثرة في صناعة قرارها، يتوقف المرء امام ما طرحه هرتسي هليفي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي، في دراسته الصادرة عن مركز "بيغن/ السادات" للدراسات الاستراتيجية في الاونة الاخيرة، جاء فيها: "إن قتال تنظيم "داعش" في سوريا، لا يخدم مصلحة (إسرائيل) الاستراتيجية." وتابع محذرا الغرب من ان هزيمة التنظيم ستترك إسرائيل وحيدة في مواجهة أعدائها، وتحديدا حزب الله. والحقيقة ان ما يخشاه ليس حزب الله فقط، انما قوى الامة العربية القومية والديمقراطية، التي لم تتخل عن مشروعها التنويري على المستويين الوطني والقومي. رغم كل حالة الضعف والتراجع والهزيمة، التي تعاني منها في اللحظة السياسية الراهنة.
ويؤكد هليفي، ان مصلحة تل ابيب تكمن في منع هزيمة "داعش". للاسباب التالية: اولا بقاء حزب الله بعد هزيمة التنظيم؛ ثانيا تنامي قوته العسكرية، وتعميق خبرة كادراته في العمليات الحربية؛ ثالثا تعريض المصالح الاسرائيلية والغربية للخطر، لان يد الحزب ستكون طليقة؛ رابعا هزيمة "داعش" يعني فقدان الاداة الرئيسية في مواجهة اعداء إسرائيل والغرب.
لكن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية يريد من "داعش"، ان تكون أداة ضمن المقاس ووفق المصالح الاستراتيجية لقوى الاستعمار الغربية والاسرائيلية، فهو لا يريد "داعش" قوية، وبالتالي لا يمانع من إضعاف تنظيم "الدولة الاسلامية"، ولكنه ضد إجتثاثه وتصفيته، لان عملية الاضعاف تؤمن لاميركا واسرائيل والغرب الاوروبي عموما التالي، اولا تقويض فكرة الخلافة بين المسلمين المتطرفين؛ ثانيا يورط العناصر السيئة من هذا التنظيم للتركيز على اهداف غير الاهداف الغربية الاسرائيلية؛ ثالثا يعرقل ويحول دون سعي إيران للهيمنة الاقليمية. وبالتالي يبقي الباب مفتوحا امام إسرائيل لتتسييد على الاقليم.
ويتابع هليفي القول، ان معظم أجهزة الاستخبارات ومكافحة "الارهاب" حول العالم "باتت تدرك هذا الخطر، وتدرك أن القضاء على "داعش" من شأنه، ان يدفع إلى المزيد من الاعمال الارهابية في الغرب". والنتيجة المنسجمة مع هذا الاستخلاص، تكمن في العمل على "إطالة عمر هذا التنظيم." في المنطقة لتأجيج حدة الصراع مع القوى الوطنية والديمقراطية، ولبلوغ عملية التفتيت والشرذمة لدول وشعوب الامة العربية، لان ذلك ايضا وفق هليفي يؤدي إلى " سقوط المزيد من القتلى من المتطرفين المسلمين في صفوفه على أيدي "أشرار آخرين" في الشرق الاوسط." ليس هذا فحسب، بل انه سينعكس إيجابا على الغرب لجهة "منع العديد من الهجمات الارهابية في الغرب". ولتبهيت دور "داعش" في العمليات الارهابية في اوروبا، يؤكد هليفي على الاتي " اما في ما يتعلق بالهجمات الارهابية في اوروبا، فإن المسؤولية ملقاة بشكل رئيسي على ما يسمى الذئاب المنفردة، اي العناصر الموالية ل"داعش" / التي تتحرك من تلقاء نفسها/ ومن دون توجيه وقيادة مباشرتين من مدينة الرقة." وهي بالمحصلة عمليات "ذات مردود وأضرار محدودة".