أحداث نابلس: الفلتان والقانون والانتخابات

أشرف العجرمي
حجم الخط

بدون شك ما حدث في مدينة نابلس كان على درجة كبيرة من الخطورة، فمن جهة هناك بعض مظاهر الفلتان التي تحتاج لمعالجة والتي تجري محاولات لوضع حد لها أو تقليصها إلى أبعد الحدود، وهناك خطأ بعض عناصر الأمن الذين اعتدوا على أحمد حلاوة وتسببوا بقتله وساهموا بزيادة تعقيد الموقف الحساس بسبب الانتخابات البلدية التي يجري التفاعل معها في نابلس بصورة استثنائية وينقسم حولها الناس بمن فيهم أعضاء وأنصار حركة «فتح». وهذا الوضع يتطلب معالجة حكيمة بعيداً عن التشنج والتخندق من أجل المصلحة العامة، لأن تفاقم الموقف سيؤدي إلى كوارث ودمار حقيقي يعيد إلى الأذهان ما جرى خلال الانتفاضة الثانية وما ترتب عليه من نتائج مأساوية توجت بالانقلاب وما لحق بالمشروع الوطني من ضربات قاتلة.
المشكلة في نابلس هي تراكم عناصر الفوضى التي حاولت السلطة معالجتها أمنياً فقط. فإذا كان استخدام القوة في معالجة مظاهر الفلتان قد يكون مطلوباً في مرحلة ما، ولكنه وحده لا يكفي للمعالجة الجذرية لظاهرة لها أبعاد اقتصادية- اجتماعية وأحياناً سياسية بالإضافة إلى البعد الأمني. وفي الواقع لم تعد هناك أية معالجات منهجية لأية ظاهرة يواجهها المجتمع. والسمة الغالبة للتعامل مع الهموم والمشكلات العامة هي الارتجال وردات الفعل، وأحياناً العصبية المفرطة أو التجاهل وبرود الأعصاب.
الأحداث الأخيرة هي نتيجة طبيعية لتفاقم الوضع ووصوله إلى هذا المستوى من الاحتقان. صحيح أن المواطنين يرفضون واقع الفوضى، ولكن الأمور ليست واضحة لجميع الناس بدليل الانقسام في الرأي العام، بمعنى أن السلطة لم تقم بتوعية المواطنين بخطورة الفوضى والفلتان والأضرار التي يمكن أن تلحقها بمجرى حياة الناس ومصالحهم. فقسم من الذين يمارسون مظاهر الفلتان يستخدمون شعارات وطنية عامة وكأن الفلتان يمثل حالة نضالية أو جزءا من المقاومة، مع العلم أن إسرائيل تلاحق كل مجموعة أو خلية يمكن أن تفكر يوماً في مقاومة الاحتلال بأي صورة من الصور، ولا تترك جماعات مسلحة معروفة للناس وتمتلك السلاح والذخائر وتستخدمها بصورة عملية في مناسبات متعددة.
لم يقبل المواطنون الاعتداء على قوات الأمن وقتل عناصر كانت تؤدي واجبها في حماية أمن المواطنين. وفي النهاية لا يتحمل منسوبو الأجهزة الأمنية أية مسؤولية عن تنفيذ قرارات الحكومة والمستوى السياسي أياً كانت. ولكن هذا شيء وأخذ القانون باليد شيء آخر، فمقتل أحمد حلاوة المتهم بالوقوف وراء الاعتداء على عناصر قوات الأمن في نابلس يمثل اعتداء على القانون بغض النظر عن أية مشاعر أو ظروف رافقت الأحداث المتلاحقة في نابلس. فإذا كنا نلوم المعتدين على القانون ويمارسون الفوضى والخروج على النظام فلا يجوز أن يقوم رجال الأمن الذين مهمتهم الحفاظ على القانون بأخذ القانون بأيديهم والانتقام من شخص معتقل لم تثبت إدانته بالرغم من كل التهم الموجهة له، وكان قيد الاعتقال والتحقيق، وإذا كان قد قام بمخالفة مهما كانت فالقضاء هو الذي يحكم بشأنه.
وجوهر المشكلة هو غياب مفاهيم المواطنة واحترام النظام وحقوق الغير، وهذه المشكلة هي نتاج لضعف دور الأحزاب والمجتمع المدني عموماً، فالحالة المجتمعية تعاني من تدهور في قيم الانتماء والقيم الايجابية التي تغلب المصلحة العامة على كل مصلحة فئوية أو شخصية. فلقد أصبحت المصالح الشخصية هي الغالبة وهي التي تحدد سلوك الأفراد والمجموعات الصغيرة، وهي التي تعيق اتخاذ المواقف المبدئية التي تنحاز للصالح العام.
ولو أخذنا العملية الانتخابية نموذجاً لفحص مواقف الأفراد حتى داخل التنظيم الواحد كحركة «فتح»، سنجد أن تغليب مصالح الأفراد كان السبب في خسارة «فتح» للانتخابات البرلمانية في عام 2006، وفي المشكلات التي تعيق الاتفاق على قوائم موحدة لتمثيل الحركة في الانتخابات. ولعل نموذج نابلس في الانتخابات البلدية السابقة هو دليل حقيقي على مشاكل الاحتكام لحسابات شخصية ولصراع قوى داخل الحركة أثر على مواقفها ونتائج الانتخابات، وقد خسرت القوائم التي تم تشكيلها بعيداً عن رأي القاعدة الفتحاوية في أكثر من موقع وخاصة رام الله ونابلس، ولحسن حظ «فتح» ان الانتخابات البلدية السابقة كانت بدون مشاركة «حماس». أما هذه المرة فهناك منافسة شديدة لا تتعلق فقط بصراع القوى والمصالح الشخصية، فهناك أحزاب وقوى منافسة وأهمها «حماس» تهدد معاقل «فتح» والسلطة. والخلافات حول المواقع تؤثر على الجو العام في محافظة نابلس وفي الوطن عموماً.
ووحدة «فتح» وانسجامها الداخلي هو شرط نجاحها، وهو شرط وحدة الأطر المرتبطة بالسلطة، وشرط القضاء على حالة الفوضى والفلتان. والبعض يتسرعون في نعي وحدة الحركة وتماسكها، وبرغم كل شيء لا تزال الحركة تنبض ولكن في كل مرحلة هي أمام اختبار جدارة، فهل تستطيع هذه المرة أن تخيب آمال الشامتين وتستطيع لملمة صفوفها؟. هذا السؤال موجه إلى قيادة حركة «فتح» ولجنتها المركزية تحديداً وأطرها العامة الأُخرى، وهي دائماً تحت الاختبار وعليها تقع المسؤولية الكاملة في كل ما يتعلق بمستقبلها ومستقبل السلطة وإلى حد كبير المستقبل الوطني.