يخلق اطلاق الصاروخ على سديروت والرد الاسرائيلي تخوفا من التدهور الى جولة عنف جديدة، كتلك التي شهدناها قبل سنتين. ليس ثمة بالطبع ضرورة ليكون هذا ما سيحصل، شريطة فقط أن نعمل حسب مصالح اسرائيل الحقيقية.
لاسرائيل تجاه غزة مصلحة أمنية وهي تتشكل من عنصرين: الاول، من المهم لنا الا يكون اي اطلاق نار من غزة نحو اسرائيل؛ الثاني، نحن معنيون في أن تضعف القدرة العسكرية لغزة. لا توجد لاسرائيل اي مصلحة اقليمية في غزة، لا توجد لنا أي مصلحة اقتصادية في غزة، ولا توجد لنا مصلحة سياسية في غزة.
وماذا بالنسبة لمصالح "حماس"؟ وبالفعل، المصلحتان الاساسيتان لـ"حماس" هو تحقيق شرعية دولية لحكمها والاستناد اليها لبناء البنى التحتية والاقتصاد في غزة. تضارب المصالح بين اسرائيل و"حماس" بالتالي ليس مطلقا جدا، وعليه فانه يمكن خلق واقع يكون جيدا بما يكفي للطرفين.
مثل هذا الواقع يمكن تحقيقه بوساطتين: من جهة الرد بشدة على كل نار ضدنا، وهكذا الحفاظ على الردع، ومن جهة اخرى المساعدة أو على الاقل عدم عرقلة "حماس" في أن تحقق ما هو مهم لنا. في النقطة الثانية تميل اسرائيل الى الخطأ. وهكذا مثلا احتجت اسرائيل قبل بضعة اسابيع امام الامم المتحدة عن ان منظمات الاغاثة العاملة تحت اسمها تمنح الاموال لـ"حماس" وليس للسكان مباشرة. هذا النهج اشكالي، فاسرائيل لا يمكنها ان تعود وتدعي بان "حماس" تتحمل المسؤولية عن كل اطلاق نار من غزة – دون صلة بهوية مطلقي النار – ومن جهة اخرى الا تعترف بان "حماس" هي الحكم، بل والحكم الشرعي في القطاع.
ومن الجدير أن نقول اكثر من ذلك: منذ عشر سنوات وغزة هي بحكم الامر الواقع (دي فاكتو) دولة مستقلة. لها حدود محددة، حكم واضح، سياسة خارجية مستقلة وجيش خاص بها. هذه مزايا دولة. صحيح، هذه دولة عدو يسيطر عليها اناس اشرار، ولكن هذا ليس فقط واقعا علينا أن نسلم به بل ان هذا الواقع أهون الشرور اذا أخذنا بالحسبان البدائل الاخرى. يمكن أن نخلق حيال دولة العدو هذه واقعا ثابتا يسمح لنا بالحفاظ على مصالحنا – وأولا وقبل كل شيء الهدوء المتواصل – وبالتوازي ايضا يعطي للطرف الاخر اسبابا وجيهة للحفاظ على الهدوء.
ان المواجهة العنيدة في "الجرف الصامد" لم تقع لان الردع الاسرائيلي تآكل، بل لانه اضافة لـ "العصي"، لم يعرض على "حماس" "جزرا" أيضا. وللدقة فان "الجزر"، الذي كان الرواتب لرجال "حماس"، اخذ منها. والضائقة دفعت "حماس" لتفعل ما كان في نظرها الرد الممكن الوحيد على ذاك الحصار – فتح نار الصواريخ.
ظاهرا، تعلمنا الدرس. وافقت اسرائيل بانه بعد شهر من وقف النار ينعقد مؤتمر دولي يعنى باعمار غزة، غير أنها اصرت على أن تقود مصر المؤتمر بينما تعطى الاموال لاعمار غزة الى السلطة الفلسطينية. وافقنا، إذاً، على ان نعطي اللاعبين الوحيدين غير المعنيين باعمار غزة أن يقودا الاعمار. وكان هذا وكأن بنا نعطي القطتين امكانية حراسة القشدة.
اذا لم تشجع اسرائيل المساعدات الدولية لغزة، والتي تتم بالتعاون التام مع حكومة "حماس"، من شأننا ان نعيش مواجهة عسكرية اخرى. مثل هذه المواجهة لن تكون نتيجة غياب الردع، بل نتيجة غياب الخطوة المكملة.
الاستيطان والضم الزاحف: وسائل المواجهة
08 يناير 2025