يتسم العالم الإسلامي بأنه واسع ومتنوع، وتختلف وجهات النظر بشأنه مثلما تختلف شعوبه أيضا. ويعد الإسلام في الصين، التي يوجد بها مساجد للنساء فقط منذ أمد طويل، مثالا جيدا على ذلك، حسب مايكل وود.
كانت مدينة كايفنغ، التي تقع في وسط سهل النهر الأصفر بمقاطعة هينان الصينية، العاصمة القديمة لسلالة سونغ قبل ألف عام، كما كانت واحدة من أعظم المدن في جميع أنحاء العالم قبل القرن التاسع عشر الميلادي ومنارة تجتمع حولها الشعوب والأديان.
ودائما ما تعج المعابد البوذية والطاوية، التي تضم ضريح إلهة الرحمة وتوجد في الأزقة الضيقة للمدينة القديمة، بالزائرين.
وهناك أيضا كنائس ومساجد إذ جاءت الديانتان المسيحية والإسلامية إلى البلاد في القرن السابع الميلادي (الصين لديها بعض من أقدم الجاليات الإسلامية خارج الشرق الأدنى).
بل وهناك أيضا أخر ما تبقى من الجالية اليهودية في الصين، والتي جاءت من بلاد فارس واليمن، في عهد أسرة سونغ.
فإن أروع شيء هناك هو المساجد المخصصة للنساء فقط، وقد يكون الشيء الأكثر إثارة للدهشة هو أن هناك أئمة من النساء أيضا.
ويقع المسجد الرئيسي للنساء بالقرب من المسجد المركزي للرجال، عبر زقاق تصطف حوله أكشاك الطعام.
وإمامة المسجد تدعى غو جينغ فانغ، والتي تدربت على يد والدها، وهو إمام في مسجد للرجال.
وهناك مسجد يدعى "وانغجيا آلي"، الذي يقال إنه أقدم مسجد للنساء بمدينة كايفنغ، والذي بني عام 1820. وتتسع مساحة القاعة المخصصة للصلاة أكثر من غرفة المعيشة الواسعة، وهي مغطاة بالسجاد والكراسي ولا تستوعب أكثر من 50 شخص، وتعد من أحد أجمل أماكن العبادة.
ويوجد إمامة وظيفتها الرئيسية تعليم النساء قراءة القرآن فقط.
وهناك ايضاً 16 مسجدا في كايفنغ وعشرات المساجد الأخرى في الريف حولها، جنبا إلى جنب مع المدارس الصغيرة في مدينة تشنغتشو الكبيرة، وفي بعض المدن الصغيرة. وفي أماكن أبعد من ذلك، هناك العديد من المساجد في جنوب مقاطعة يونان وفي الشمال أيضا، ولكن ليس هناك مساجد من هذا النوع في منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة، والتي تتبع شكلا تقليديا للإسلام السني المتبع في آسيا الوسطى.
تتخرج الطالبات من دورة للدراسات الإسلامية في سانغبو بمقاطعة "خنان".
كيفية تخصيص مساجد للنساء فقط؟
يتعين تأسيس سلالة مينغ في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، عندما تحولت الجالية المسلمة فجأة إلى أقلية مضطهدة. وردا على صدمة الاحتلال المغولي الأجنبي، شن حكام مينغ الأوائل حربا شوفينية ضد الشعوب التي لا تنتمي لشعب الهان. وأثارت الأقليات العداء والشك وتعرضت لسياسة وحشية من التمييز- وقيل للمسلمين إنه يتعين عليهم الزواج من أبناء شعب الهان وليس الزواج فيما بينهم.
لذلك كان القرن الخامس عشر الميلادي شبه كارثي للإسلام في الصين. لكن في أواخر القرن السادس عشر تحسنت الأمور وبدأت حركة ثقافية جديدة بين المسلمين وكان هناك نهضة للثقافة والتربية الإسلامية.
وبعد قرن من الزمان كان الفلاسفة المسلمون الصينيون قادرين على تأليف كتب تثقيفية لكيفية أن يكون المرء مواليا للإسلام وللدولة الصينية في نفس الوقت. وعند هذه النقطة، وعلى المستوى الشعبي، أدرك الرجال أهمية دور المرأة في الحفاظ على الدين والترويج له.
فنمت المساجد المخصصة للمرأة من حركة مزدوجة في العالم الإسلامي الصيني - ضرورة الحفاظ على المجتمع، والرغبة في تعليم المرأة.
و تعتقد الإمامة يونغ هوا تشانغ في مسجد بيدا بمدينة تشينغيانغ في كايفنغ أن المدارس جاءت أولا ثم تحولت لمساجد كاملة في القرن الثامن عشر. ولا يزال التعليم يلعب دورا كبيرا اليوم، بدءا من التعليم الأساسي وحتى نسخ النصوص.
وقد كانت المساجد هي المكان الوحيد الذي يمكن للمرأة المسلمة الفقيرة أن تتلقى فيه التعليم.
وفي جمعية كايفنغ الإسلامية، يعمل الرجال والنساء معا في مشروعات تعليمية جديدة.
وقد كان للمجتمع المسلم نجاحاته واخفاقاته في الصين. واليوم، وكما كان الحال في عهد أسرة مينغ، يتردد المسلمون في إظهار ولائهم، في ظل الشائعات التي تشير إلى وجود انشقاق في أقصى الغرب في "شينجيانغ"، يحرص المسلمون على الإشارة إلى أن المسلمين القدماء (هوى) هم موالون للصين، كما كان الهان.
ولكن ما بدأ كرد فعل على النظام الأبوي للمجتمع الصيني التقليدي، والوضع التاريخي للإسلام تحت مينغ والمانشو، أصبح الآن قضية نسوية أيضا.
عزلت الصين لفترة طويلة من القرن العشرين، لذا كانت هذه المساجد المخصصة للنساء فقط بمنأى عن موجات الإسلام الراديكالي الذي ظهر بعد الثورة الإيرانية عام 1979.
والآن بدأت العجلة تدور مرة أخرى، وما ينظر إليه على أنه شيء عادي للغاية هنا في كايفنغ بات شيئا مقبولا في أجزاء أخرى من العالم، إذ قبلت إيران المساجد المخصصة للسيدات منذ وقت ليس ببعيد، وهناك مساجد للنساء في برلين وأمستردام ولبنان وبخارى وحتى في السودان.
وأمًّت امرأة أمريكية من أصل إفريقي الصلاة في الآونة الأخيرة في أول مسجد للنساء في الولايات المتحدة في لوس انجليس. وفي المملكة المتحدة، أعلن مجلس النساء المسلمات في برادفورد في الآونة الأخيرة عن خطة لبناء أول مسجد للسيدات في المملكة المتحدة.
ويرى كثيرون من المسلمين، سواء من الرجال أو النساء، أن هذه الخطوة هي مرحلة ضرورية وتجديد لا مفر منه في تاريخ الإسلام. وإذا كان الهدف من ذلك هو تجديد الحياة الروحية.