رغم الصدام العلني الأخير بين إسرائيل وتركيا بشأن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، إلا أن الدولتين تواصلان بدأب تنفيذ اتفاقية المصالحة والتطبيع بينهما. فقد قررتا أن تتبادلا السفراء من جديد بعد طول قطيعة، على أن يتم ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة. وتشي المفارقة الواضحة في العلاقة بين الدولتين، بمنظومة العلاقات المقبلة بينهما، والتي تقوم على المصلحة، إلى جانب استمرار السجال أو المواجهة. وبحسب السفير الإسرائيلي السابق في أنقرة، فإن مشكلة غزة ستواصل التشويش على العلاقات التركية - الإسرائيلية وتمنع إعادتها إلى ما كانت عليه في الماضي.
وهكذا، بعدما سمع العالم دوي الإدانات المتبادلة بين إسرائيل وتركيا جراء الغارات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو أنه ينتظر قيام إسرائيل وتركيا بتبادل السفراء في الأيام القريبة. وجاء هذا الإعلان بعد ثلاثة أيام من إقرار البرلمان التركي اتفاقية المصالحة مع إسرائيل، التي تتضمن إلغاء دعاوى الأتراك ضد مسؤولين وعسكريين إسرائيليين بتهمة المشاركة في اقتحام سفينة مرمرة التي شاركت في محاولة كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة وقتل عشرة نشطاء أتراك. وقال وزير الخارجية التركي إن الدولتين اتفقتا على الإعلان المشترك عن التعيينات، ولكن كما يبدو، فإن العائق حتى الآن أتى من الجانب الإسرائيلي حيث لم تعقد لجنة التعيينات اجتماعاً لها، ما يعني أن الإعلان الرسمي المشترك سيتم في الأسبوع المقبل.
وأكد مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية كلام الوزير التركي، لكنهم قالوا إنهم لا يعرفون موعداً محدداً لإعلان بلاغ التعيين المشترك. ومعروفٌ أن هناك عدة مرشحين إسرائيليين تقدموا بترشيحهم لتولي منصب السفير في أنقرة، ولكن القرار بشأنهم لن يتم قبل عقد لجنة التعيينات برئاسة المدير العام للوزارة دوري غولد.
وكما هو معلوم، صادق البرلمان التركي السبت الماضي على اتفاق المصالحة الذي يشمل في أحد بنوده إعادة العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين الدولتين. وصار واضحاً أن اتفاق المصالحة والتطبيع لم يمنع الدولتين من الصدام سياسياً بحدة، وأيضاً بشأن غزة. فما إن شنت الطائرات الإسرائيلية غارات مكثفة على القطاع قبل أيام، حتى أصدرت الحكومة التركية بيان إدانة شديد اللهجة ضد هذه الغارات. ولم تضبط الحكومة الإسرائيلية نفسها، فأصدرت بلاغاً شديد اللهجة ضد تركيا.
وجاء في البلاغ التركي أن «تطبيع العلاقات بين الدولتين لا يعني أننا ملزمون بالصمت تجاه الاعتداءات على الشعب الفلسطيني في غزة». وأضاف أنه «على العكس من ذلك، نحن سنواصل الدفاع عن القضية الفلسطينية في مواجهة أفعال إسرائيل، التي تخالف القانون الدولي والضمير الإنساني قبل أي شيء آخر».
وبعد ساعات قليلة، جاء الرد الإسرائيلي على شكل بلاغ من المتحدث بلسان وزارة الخارجية عمانويل نحشون استخدم العبارات التركية ذاتها، وأفاد بأن «تطبيع العلاقات لا يعني أن نسكت عن الإدانات التي لا تستند إلى أساس ضدنا. إن الإدانات لا تستند إلى أساس، وعلى تركيا أن تفكر مرتين قبل أن تنتقد العمليات العسكرية لدولة أخرى». وأضاف «اننا سنواصل حماية مواطني إسرائيل الأبرياء ضد كل إطلاق للصواريخ على أراضينا، وفقاً للقانون الدولي، وبحسب مسؤوليتنا وضميرنا».
وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن حكومة نتنياهو أوضحت للأتراك أنها لن تسمح لهم بمواصلة التنكيل بها، ورغم ذلك ستواصل عملية المصالحة مع تركيا من دون تأخير. وقال مسؤولون إسرائيليون إنه «لا ينبغي التأثر من ردود الفعل الحادة في تركيا. فنحن لم نظن أن أردوغان سيتحول بين عشية وضحاها إلى صهيوني. ومن الواضح أنه ملزم بدفع ضريبة كلامية لحلفائه في حماس. وبالمقابل، فإننا أيضاً لسنا مغفلين، ولن نكبح أنفسنا أمام إدانات غير مؤسسة لعمليات هجومية مشروعة».
وكان رئيس الحكومة التركية بن علي يلديريم قد أعلن أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لن يمنع تركيا أبداً من الإعراب عن موقفها من القضية الفلسطينية. وأضاف أن تركيا تريد التوضيح بأنها لا تقبل ولن تقبل ولن توافق على الغارات الإسرائيلية على غزة. وكان كلام يلديريم قد جاء بعد ساعات من بلاغ الإدانة التركي للغارات الإسرائيلية التي وصفت بأنها «عديمة التناسب».
وكانت الشرطة التركية قد اعتقلت خمسة أشخاص حاولوا اقتحام القنصلية الإسرائيلية احتجاجاً على الغارات الإسرائيلية على القطاع. وأعلنت الشرطة أنها عززت حمايتها للمكان الذي فيه القنصلية الإسرائيلية.
وقال السفير الإسرائيلي السابق في أنقرة، ألون ليال، في مقابلة مع موقع «والا» تعقيباً على التراشق الإعلامي بين إسرائيل وتركيا، إن «شهر العسل بين الدولتين انتهى، فقطاع غزة يشكل نقطة حساسة لدى تركيا، وكان يمكن توقع رد الفعل التركي سلفاً». وأضاف أن «للأتراك زبدة على رؤوسهم، صراعهم ضد الأكراد وداعش، كما النضال الديموقراطي وحقوق الإنسان». وشدد على أن «الزواج» بين إسرائيل وتركيا هو «زواج راحة أساساً بسبب الطفل، الذي هو صفقة الغاز». وبحسب ليال، فإن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة تحسنت على مدى التاريخ في كل مرة برز فيها أمل للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ومع ذلك فإن الجمود السياسي المتواصل في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يخلق مشاكل «ويحول المواضيع إلى إشكاليات مع مشاكل في الجانبين». وخلص إلى أنه «عندما يولد الطفل، أي صفقة الغاز، فإن الجميع سيلتزم الصمت».
أنقرة تقترح تأسيس آلية وساطة بين إسرائيل وفلسطين
17 أكتوبر 2023