تواصل الإضراب في نابلس، دلالة سيئة، وإصرار عائلة أبو حلاوة على عدم دفن جثمانه، ينذر بتطورات فيها من الشؤم الكثير.
أسبوعٌ مرّ، وكل لحظة فيه تحمل جروحاً غائرة، ليس بين العائلات الثكلى من الأمن والمواطنين فحسب، بل وفي الجسد الفلسطيني بشكل عام.
كنّا نرغب أن نتعلّم مما يدور حولنا من ربيع تحوّل إلى مأساة كبيرة، دولٌ دُمّرت وهي على باب التقسيم الطائفي والعرقي... وشعوبٌ هُجِّرت إلى منافٍ بعيدة... وملايين القتلى والمصابين... كل ذلك جاء على قاعدة «احذروا سيلان الدم»، لأن الدم في النهاية يجرّ دماً شئنا أم أبينا.
لو وجهتَ سؤالاً إلى أي فلسطيني، هل تؤيد أي مظهر من مظاهر الفلتان والفوضى، لجاءت الإجابة سريعةً ودون تردّد بنسبة 100% من الناس ضد الفلتان والفوضى، لأن آثاره قبل عدة سنوات ما زالت واضحة على جلودنا.
ولكن في المقابل لو سألت أي مواطن هل ما حصل مع المواطن حلاوة مقبول... سيكون الردّ أيضاً سريعاً ودون تردد أن القتل خارج القانون هو جريمة أيضاً بغض النظر عن الظروف المحيطة.
وهذا يعني أن الرد على جريمة بجريمة بغض النظر عن مرتكبها أو مرتكبيها، هو مجرد شرارة نار، في مسلسل دموي لا نرغب جميعاً في أن يكون له وجودٌ على أرض الواقع.
جيد أن تكون هناك لجنة تحقيق في حادثة التصفية للمواطن حلاوة في سجن جنيد، ولكن ربما الأَولى هو تشكيل لجنة وطنية ذات مصداقية عالية للتحقيق في تطور الفوضى والفلتان الأمني خلال السنين الماضية بعدما تمكنا سابقاً من الوصول إلى حالة من السيطرة على هذه الظاهرة القاتلة... وأصبحت نابلس وكثيرٌ من المدن تنعم بالهدوء، وخاصة الشعور بالأمن الشخصي.
اللجنة الوطنية هذه يجب أن تكون لديها صلاحيات كاملة للتحقيق مع أي كان، ابتداءً من قمة الهرم السياسي وحتى أي مواطن في الشارع، لأن الإشاعات تنمو كالسرطان، وهي تؤثر ليس على مصداقية السلطة فحسب، بل ربما على وجودها على المدى الطويل.
إشاعات تقول إن ما يحصل في نابلس وفي بعض المناطق الأُخرى هو مجرد صراعات بين قيادات أمنية أو أجهزة متصارعة... وأن ما يطلق عليهم بالخارجين عن القانون بعضُهم أيضاً أبناء أجهزة... هذه المسألة خطيرة، ولكن إن صحّت ولو جزئياً يكون هناك خللٌ كبير، يجب معالجتُه، ويجب أن تتحمّل القيادة المسؤوليةَ وتعيد النظر في كيفية معالجة هذه المشكلة.
الوضع في نابلس ما زال متوتراً، ولكن بحكمة وبعقلانية سنتمكن من نزع فتيل انفجار أكبر. وربما أقصر الطرق إلى نزع الفتيل هو الرواية الصادقة والصحيحة بغض النظر عن مدى سوداويتها أو الوجع الذي تسببه، لأن إجراء عملية لإخراج رصاصة من جرح وإن كان دون مُسكّن أو مخدّر أفضل بكثير من خياطة الجرح، لأننا مع مرور الوقت قد لا نجد مفراً من الجراحة واستئصال جزء من الجسد أو الموت.
وبناء عليه فإن القوى الوطنية والمؤسسات والقطاع الأهلي والخاص مطالبون اليوم بالتحرك السريع والضغط لتشكيل مثل هذه اللجنة الوطنية، لمعرفة الحقيقة، وتحمُّل المسؤوليات، وإيجاد طريقة للعلاج، وإعادة الحقوق إلى أصحابها... والتأكيد على نزاهة وحيادية القضاء، وسيادة القانون وعلى الجميع سواسية، ربما لحظتها نستطيع القول إننا نجحنا في أصعب امتحان وأسّسنا لمرحلة مختلفة تماماً... وإلاّ ستكون العواقبُ وخيمةً والرسوبُ حتمياً للجميع؟!!!