طلبت شركة "آبل" منتجة أجهزة "آيفون" من مستخدمِي هذه الأجهزة تحديث نظام تشغيل أجهزتهم. وعلى الرغم من أن مثل هذا الإعلان كان يتكرر، إلا أنه هذه المرة لم يكن بسبب تطوير لبرامج أو استحداث لوسائط، وإنما بسبب برنامج تجسس قادر على ملاحقة مستخدِم الجهاز ومعرفة كل ما يفعل. والجديد في الأمر، أن برنامج التجسس هذا من انتاج شركة إسرائيلية تنتج هكذا برامج منذ سنوات طويلة قبل أن تشتريها شركة أميركية وتزيد من فعلها.
وقد تباهت صحف إسرائيلية بأن برنامج التجسس هذا الذي اخترق الكثير جداً من أجهزة الهاتف العاملة على أنظمة شهيرة مثل أندرويد وiOS هو برنامج إسرائيلي "جنن العالم".
وأعلنت شركة "أبل" أن برنامج التجسس طورته شركة تدعى "NSO"، وهي شركة تطوير إسرائيلية اشترتها شركة أميركية لكنها لا تزال تتخذ هرتسيليا قرب تل أبيب مقراً لها. وتعتبر شركة "NSO" من أكثر الشركات في العالم ريادة في في هذا المجال، ما دفع صحيفة "نيويورك تايمز" لوصفها أمس الأول بأنها: "من تجار السلاح الرقمي الأكبر والأكثر تملصاً في العالم".
وبحسب ما أوردت صحيفة "يديعوت أحرنوت" فإن تفاصيل اكتشاف شركة "أبل" للاختراق الحادث في أجهزة الهاتف التي تصنعها كانت مذهلة، وللمصادفة بدأت في دولة الإمارات العربية المتحدة التي يبدو أنها تستخدم البرنامج الإسرائيلي. وبحسب الصحيفة، فإن كل شيء بدأ عندما قرر جهاز استخبارات غير محدد ملاحقة الناشط الإماراتي لحقوق الإنسان أحمد منصور (46 سنة)، والذي أدخل السجن ثمانية أشهر في العام 2011 بعد إدانته بتأييد عريضة تطالب بالديموقراطية. وبعد الإفراج عنه صودر جواز سفره ومنع من السفر. ويبدو أن جهاز استخبارات توجه للشركة الإسرائيلية، فمنحته برنامج تجسس طورته في الماضي.
ويقوم عمل هذا البرنامج على أساس توزيع رسائل قصيرة بريئة حال فتحها يتم إنزال برنامج تجسس يخترق الحماية ويستطيع متابعة كل نشاطات صاحب الهاتف وتحويل المعلومات منه. وبحسب "يديعوت"، ليس واضحاً إن كانت النية هي التركيز على منصور وحده، فوقع خلل أدى إلى نشر الأمر على مستوى عالمي، أم أن "NSO" بثت هذا العنصر الخطير والمخطط بهدف "أن تصيد على الطريق" منصور. ومهما يكن من أمر، على حد قول شركة "أبل"، فإنّ الضرر الكبير وقع.
في 10 آب تلقى منصور على جهازه الآيفون بلاغاً قصيراً بدا له مشبوها وتضمن روابط "لمعلومات جديدة، أسرار جديدة عن التعذيبات التي يجتازها السجناء في سجون اتحاد الإمارات". فاشتبه منصور على الفور بأنه برنامج تجسس وبعث بالروابط إلى المحققين. ويعتقد هؤلاء بأن دولة الامارات تقف خلف محاولة الاقتحام، وحاولت استخدام أدوات "NSO" الإسرائيلية للتجسس على منصور.
وجاء في البيان الذي نشرته الشركة أمس أن "NSO" تطور منتجات هدفها مساعدة الحكومات على مكافحة الجريمة والإرهاب. وتبيع الشركة منتجاتها حصرياً للهيئات الحكومية المخولة والمسؤولة، وفقاً لكل قوانين التصدير الأمني". كما جاء في رد الفعل: "NSO" لا تستخدم منتجاتها للزبائن بل فقط تطورها، وإن الزبائن يلتزمون باستخدام المنتجات بشكل قانوني.
وبحسب وكالة "اي بي" فإن السلطات سواء في إسرائيل أم في الامارات لم تعقب أمس على التساؤلات التي طرحت عليها في القضية.
وأشارت صحيفة "كلكلست" الاقتصادية الإسرائيلية إلى أن شركة "NSO Group" التي طورت برنامج التجسس تعمل بشكل شبه سري وأنه تم كشف النقاب عن طبيعة عملها منذ العام 2012. ويقوم عمل برنامج التجسس الذي كشفت عنه شركة "أبل" على أساس استغلال ثلاث ثغرات حماية في أجهزة "آيفون" لم تكن مكتشفة حتى الآن. وأتاح استغلال هذه الثغرات قدرة للمستفيد على السيطرة على الجهاز وتمكينه من ملاحقة مستخدمه أينما كان.
وقد اكتشفت الثغرات الثلاث شركة الحماية "Lookout" ومختبر الأبحاث "Citizen Lab" التابع لجامعة تورنتو اللذان أبلغا شركة "أبل" وعملا معها على تصحيح الخطأ. ولم تنشر "أبل" خبر تعرض أجهزتها للقرصنة إلا بعد أن طورت تحديثاً يزيل الثغرات. واكتشفت الثغرات فقط بعد أن أرسل الناشط الإماراتي أحمد منصور الرسالة التي وصلته إلى "Citizen Lab". ولاحظ الخبراء أن الرسالة تعود لشركة "NSO". وقال أحد الخبراء إن "المهاجمين يمكنهم استخدام كاميرا وميكروفون الجهاز من أجل تتبع ما يجري في محيط الضحية، والتنصت على محادثات الهاتف وواتس أب وفايبر، ورؤية الرسائل القصيرة التي ترسل من الجهاز أو يستقبلها فضلاً عن رصد تحركات صاحبه".
تجدر الإشارة إلى أن شركة "NSO Group Technologies" تعتبر بين أبرز الشركات المتخصصة في مجال حرب السايبر، وهي التي سبق وطورت برنامج "فجسوس" الذي تستخدمه الكثير من الحكومات للتجسس على مواطنيها وغيرهم. و "فجسوس" هو من نوع البرامج التي تسمى "حصان طروادة" يتم زرعه بوسائل مختلفة في أجهزة الهاتف الذكية من دون أن يشعر صاحبه بذلك. ويسمح البرنامج برصد الشخص المعني من دون الاعتماد على شبكة الهاتف المحمول "عبر العيش في الجهاز ذاته". وبرنامج "فجسوس" لا يمكن اكتشافه في الأجهزة إلا في مختبرات متطورة. ولا يحتاج هذا البرنامج للدخول إلى الجهاز، إلى رسالة أو أي شيء آخر، وإنما يحتاج فقط إلى معرفة الرقم التسلسلي للجهاز أو حتى مكان تواجده في لحظة معينة. وحال غرسه في الجهاز يمكن السيطرة على كل وسائط الجهاز من دون عقبات وتحويله إلى متتبع ذكي وراصد دائم لأفعال ومكالمات الضحية.
تجدر الإشارة إلى أن أحد مؤسسي الشركة كان قائد الجبهة الشمالية الأسبق الجنرال يانوش بن غال. وما يمكن قوله بالتأكيد هو إن هذه الشركة اشتهرت في الماضي بكونها تنتج حقيبة يستطيع حاملها الارتباط بأي شبكة هاتف محمول وتتبع كل الأجهزة المرتبطة بهذه الشبكة في محطة معينة. ومن المؤكد أيضاً أن أغلب شركات تطوير البرامج في إسرائيل تعتمد على عسكريين سابقين ممن عملوا في الوحدة 8200 المتخصصة في الرصد الإلكتروني والتابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.