طموح الدب الروسي

9999470084
حجم الخط
 

في خضم التحولات الجارية في الاقليم وعلى دور ومواقع القوى العالمية المؤثرة في إعادة صياغة الخارطة الجيوبولتيكية إستعاد الاتحاد الروسي موقعه كرقم اساسي في كافة المعادلات السياسية. ولم يعد بإمكان اميركا او اوروبا القفز عن هذا الدور. وهذا ليس تواضعا او قبولا مجانيا وكرم أخلاق من الانظمة السياسية الغربية ومن يقف خلفها من اباطرة وطغم الرأسمال العالمي، إنما هو إنعكاس للتحولات الجارية في دور الاقطاب الدولية. نجم عن ذلك ولادة  شعور بالمرارة والسخط داخل الغرب عموما واميركا خصوصا وحتى داخل ربيبتها إسرائيل من قبل كل القوى المعادية لروسيا. لكن المعادلات السياسية لا يصنعها الصخب والضجيج الاعلامي وحملات التحريض، إنما موازين القوى على الارض، وثقل كل فريق في ميادين وساحات الصراع المفتوحة في بقاع الارض المختلفة، المستندة لقدرة كل قطب الاقتصادية والعسكرية والسياسية الديبلوماسية في فرض الحقائق، رغما عن القوى الاخرى.

روسيا بوتين من خلال دورها الحاسم والمقرر في آن في الملف السوري، وبتعزيز علاقاتها مع جمهورية إيران الاسلامية، وعودة المياة لمجاريها مع تركيا اردوغان، وفتح صفحة من التنسيق مع دولة التطهير العرقي في إسرائيل، وطمأنتها ان حل المسألة السورية لن يكون على حساب إستقرارها، ليس هذا فحسب، بل يمكن الاعتقاد ان الروس منحوا حكومة نتنياهو بعضا من حرية الحركة وفق معايير محددة داخل الاراضي السورية. وعبر إقناعها للادارة الاميركية ودول الاتحاد الاوروبي، ان تدخلها في سوريا لا يعني بحال من الاحوال إخراجها "من المولد بلا حمص!"، لا بل ان حصتها من خلال وجود ممثليها في الحل المنشود، وحتى حلفائها من العرب لن يُّغبنوا في حال تراجعوا عن خيار ركوب الرأس.

في ضوء هذا النجاح، طمح الدب الروسي بتعزيز دوره في الساحة العربية من خلال الاستعداد للعب دور رئيسي في حل المسألة الفلسطينية، عبر الدعوة للقاء القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية في موسكو برعاية الرئيس بوتين. فاجرت القيادة الروسية الاتصال مع الرؤساء والملوك العرب وفي طليعتهم الرئيس ابو مازن، وكذلك إتصلت مع نتنياهو لذات الغرض. وحصل القيصر الروسي على دعم من مصر ودول الخليج على الخطوة المقترحة. ووفق بعض المصادر، فإن القيادة الروسية والقيادات العربية، لا تعتبر الخطوة الروسية متناقضة مع الجهود الفرنسية، لا بل هناك اعتقاد بانها تعززها وتحفزها. لكن الرئيس عباس، الذي يرحب باي خطوة من قبل اي طرف دولي او اقيليمي بما في ذلك القيادات العربية يحاول التدخل لدفع عملية السلام للامام، لا يرى ان الوقت ملائما للتدخل الروسي، أضف إلى ان عقد اللقاء مع نتنياهو دون الموافقة المبدأية على وقف الاستيطان الاستعماري في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والافراج عن الدفعة الرابعة من اسرى الحرية المعتقلين قبل التوقيع على اتفاقية اوسلو 1993، ووضع سقف زمني لانهاء الاحتلالبما يسمح باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، لا يجدي نفعا، لان نتنياهو يتثمر ذلك بتوسيع عمليات البناء الاستعمارية في المستعمرات الجاثمة على ارض دولة فلسطين المحتلة عام 67. وتعتقد القيادة الفلسطينية ان الروس ليسوا حديثوا العهد في ملف المسألة الفلسطينية، ويعرفون عن ظهر قلب من هي دولة التطهير العرقي الاسرائيلية وحكومتها الاكثر يمينية، وبالتالي ليسوا بحاجة الى وقائع جديدة لمعرفة خلفيات واهداف إسرائيل الاستعمارية.

إنطلاقا من معرفته المسبقة بالموقف الفلسطيني، اعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية موافقته على الدعوة الروسية. لان رهانه على فشل الخطوة بسبب الموقف الفلسطيني، ولانه يريد قطع الطريق على التوجهات الفرنسية من جهة ثانية، ولحرصه على تفادي التصادم مع الدب الروسي، لا بل يريد إستغلالاللحظة لتعزيز العلاقة معه بما يخدم التوجهات الاسرائيلية، وبذات الوقت الاستفادة من دعم الاشقاء العرب للخطوة الروسية، باعتبارها نقطة تلاقي لإحداث مزيد من الاختراق للساحة الرسمية العربية وتعميق عملية التطبيع الجارية على قدم وساق.

الروس أكدوا للقيادة الفلسطينية، انهم يعرفون جيدا المسألة الفلسطينية، وحدود الممكن وغير الممكن. واعلنوا انهم يرفضون من حيث المبدأ التطبيع المجاني مع إسرائيل قبل حل المسألة الفلسطينية. ولكنهم يريدون أخذ فرصة جديدة، لاسيما وان موقعهم بالاقليم ووجودهم على الحدود الاسرائيلية من خلال سوريا، يعطيهم القدرة والافضلية في التأثير على إسرائيل. ويعتقدون كما يعتقد بعض الفلسطينيين والعرب، ان الاستجابة للدعوة الروسية يعزز من مكانة القضية الفلسطينية دوليا. وعدم تحقيق تقدم لن يؤثر سلبا على الفلسطينيين، بل العكس صحيح.

طموح الدب الروسي مشروع ومنطقي. وعلى القيادة الفلسطينية تحفيزه للعب دور أكبر في حل المسألة الفلسطينية. ولكن عبر اولا دعم المبادرة الفرنسية، وليس التناقض معها او عدم تشجيعها؛ وثانيا الضغط على نتنياهو وحكومته للاستجابة لاستحقاقات التسوية السياسية؛ وثالثا العمل على بلورة عقد مؤتمر دولي ينبثق عن مؤتمر باريس اللاحق لفرض خيار التسوية السياسية اسوة بالملف النووي الايراني والملف السوري واليمني والليبي وغيرها .. فهل يفعلها بوتين؟