انطلاق فعاليات مؤتمر "ماس" الاقتصادي الأربعاء المقبل

7
حجم الخط

على مدى السنوات العشرين الماضية، عقدت عشرات الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات الاقتصادية، بضمنها ثلاثة مؤتمرات للاستثمار لم تنجح باستقطاب سوى مستثمرين اثنين، احدهما بقي والآخر انسحب، واقع استوجب إعادة النظر في خطط وأهداف استنهاض الاقتصاد الفلسطيني، خصوصا مع استمرار تراجع النمو إلى مستويات مقلقة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وارتفاع مستويات البطالة والفقر.

منذ أشهر، دأب معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" على الإعداد لمؤتمر اقتصادي فريد، شاركت مختلف الأطراف في النقاشات التحضيرية له، ويحظى بدعم، بل حماس، من قبل الحكومة، ويرتكز هذه المرة إلى إعداد رؤية جديدة لاستنهاض الاقتصاد الفلسطيني في ظل انسداد للأفق السياسي، و"العمل بما باليد"، بعيدا عن أوهام "حسن النوايا" او بالاعتماد على عملية سياسية تجاوزت التعثر إلى مرحلة الانهيار.

فعاليات المؤتمر ستنطلق بعد غد الأربعاء، تحت عنوان "نحو رؤية جديدة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني"، وقال مدير معهد "ماس" نبيل قسيس: "عقدت عدة اجتماعات ونقاشات، بمشاركة مختلف الأطراف، كان هناك إدراك واسع من قبل جميع الأطراف، للتداول بشان التحديات التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني، وما يمكن عمله وصولا إلى تحقيق أهداف محددة، ووضع سياسات وآليات تدخل توصلنا لتحقيق هذه الأهداف".

وأضاف قسيس، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي للإعلان عن انطلاق فعاليات المؤتمر بمشاركة رئيس مجلس أمناء المعهد سمير حليلة، وعضو المجلس، ومستشار رئيس الوزراء للصناديق العربية والإسلامية جواد ناجي، "كان هناك إدراك واسع بان الوضع الاقتصادي يتطلب عملا ما. الاقتصاد عانى خلال السنوات الماضية من الركود، والبطالة بازدياد، والفجوات الاجتماعية باتساع، يصاحب ذلك كله انسداد في الأفق السياسي".

وقال إن المؤتمر سيناقش قضايا محددة، وآليات تدخل قابلة للتنفيذ على المديين القريب والمتوسط، وتوزيع المسؤوليات على جميع الأطراف ذات العلاقة".

وأضاف: لم نكن حالمين، فالطرح منذ البداية كان "ما الذي نرى أن عمله ممكنا في ظل الظروف القائمة"، وتوصلنا إلى جملة من الأمور يمكن عملها، وهي بأيدينا

من جهته، قال حليلة إن نقاشات المؤتمر، وما يؤمل إن تتمخض عنه من مخرجات، سواء على صعيد السياسات أو آليات التدخل، ترتكز على معالجة ثلاثة عناصر رئيسية: الأمن، والانقسام، والاختلالات الهيكلية في الموازنة العامة والعجز المزمن فيها.

فعلى صعيد الأمن، شدد حليلة على إن توفره "أمر جوهري ومهم" للنمو الاقتصادي، داعيا الحكومة إلى الاستمرار في القيام بدورها، والبناء على ما تم انجازه في هذا المجال.

أما فيما يتعلق بالانقسام، ورغم التشاؤم حيال إمكانية تحقيق اختراق في هذا المجال، الا ان حليلة شدد على أهمية الضغط على المجتمع الدولي لاعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة سوقا واحدة، "فنحن في الضفة خسرنا سوقا مهمة في غزة، والغزيون كذلك خسروا سوقا مهمة في الضفة، علينا أن لا ننتظر إنهاء الانقسام، الذي يبدوا بعيد المنال في ظل المعطيات الراهنة، بل الضغط على المجتمع الدولي لاستعادة وحدة السوق الفلسطينية في كل من الضفة وغزة، وهذا أمر ممكن".

وفي وقت أشاد فيه حليلة بالتقدم الحاصل على صعيد أداء المالية العامة، سواء لجهة ترشيد الإنفاق أو زيادة الإيرادات، وبالتالي تقليص العجز، "إلا أن عجز الموازنة ما زال كبيرا ما يعني عجز الحكومة عن تخصيص موازنة تطويرية، وهي متطلب أساسي لجذب الاستثمار وحفز النمو".

وقال: هذه التحديات تطلبت أن يكون هناك مؤتمر عميق، ولهذا استبقناه بالعديد من اللقاءات والنقاشات التحضيرية، وبناء شراكة حقيقية مع الحكومة والأطراف الأخرى . نعتقد أننا بذلنا جهدا كافيا، ولفترة طويلة، لوضع أجوبة شاملة لأسئلة معقدة.

وأضاف: كثيرون يقولون إننا في معركة لإنهاء الاحتلال، وهذا يعني أعمال مقاومة، ومظاهرات، ومسيرات، وتوتر، فكيف يمكن لنا تحقيق الاستقرار في ظل هذه الأوضاع؟ ونرى أن السؤال هو: كيف يمكن تخفيف الآثار الضارة للوضع الذي نعيشه؟ نحن نعتقد أن هناك ما يمكن عمله، فالأمن والاستقرار هو أولا مصلحة وطنية فلسطينية، وثانيا مهما للاقتصاد ثانيا.

وقال حليلة إن "التراجع المستمر في النمو الاقتصادي على مدى السنوات الثلاث الماضية مقلق، وارتفاع البطالة بين الشباب مقلق جدا (...) ميزان الاستثمار ما زال سلبيا (الاستثمارات الفلسطينية في الخارج تفوق الاستثمارات الخارجية في فلسطين)، ما يعني أن بيئة الاستثمار في فلسطين غير مواتية، وما نحاول فعله خلق بيئة أكثر مواءمة . الآن ليس أمامنا أفق، والعمل يجب أن يكون على هذا الأساس".

بدوره، قال ناجي: إن تحضيرات المؤتمر أظهرت تناغما واسعا بين مختلف الاطراف: الحكومة، والقطاع الخاص، والقطاع الأهلي، والأكاديميين، "وعندما طرح ماس مبادرة عقد المؤتمر، لم يتردد رئيس الوزراء رامي الحمد الله بتأييدها، واستعداده لتوفير كافة مستلزمات نجاح هذا الجهد.

وأضاف: في السنوات الأخيرة، لاحظنا تراجعا في أداء الاقتصاد الفلسطيني، وارتفاعا في معدل البطالة ونسب الفقر، وكان لا بد من تحديد رؤية جديدة للنهوض بالاقتصاد . إذا سلمنا بالأمر الواقع والقول ليس هناك ما يمكن عمله، فان الأوضاع مرشحة للمزيد من التدهور.

واعتبر ناجي المؤتمر، وماس بقه من تحضيرات، "الجهد الأول من نوعه من حيث التفاصيل، وصولا إلى رؤية تتحمل جميع الأطراف مسؤولياتها في تنفيذها".

وأضاف: نحن نفتش عن الممكن، وما هو بأيدينا، وفكرة المؤتمر تقوم على هذا الأساس.

واستعرض ناجي جملة من الإخفاقات كان التقصير وسوء الأداء الداخلي السبب الرئيسي فيها، كانخفاض الصادرات، رغم أن القيود أمامها محدودة جدا حتى من الاحتلال، متسائلا: لماذا التصدير لدينا محدود؟

كذلك، رفض ناجي تعليق كامل الإخفاق في استثمار المنطقة المسماة "ج" على الاحتلال، مؤكدا إمكانية الاستثمار واستخدام الثروات المتوفرة في هذه الأراضي.

كذلك، أشار حليلة إلى تقصير فلسطيني في المجال الاقتصادي، كالاستثمار في مجال الطاقة لتحقيق ولو الحد الأدنى من الاستقلال عن إسرائيل في هذا المجال، إضافة إلى تطوير قطاع المياه، وحقول الغاز والنفط في الأراضي الفلسطينية، معتبرا إن "هناك مجال كبير للفعل في هذه الجوانب، وعدم الفعل يعني غياب للمسؤولية".

وشدد حليلة على انم المطلوب "ليس تمردا ولا تغييرا في الاتفاقيات فهذا شأن سياسي، وإنما استغلال لما هو بأيدينا"، والحقوق الفلسطينية في الاتفاقيات الموقعة، وبضمنها بروتوكول باريس الاقتصادي.

وقال: هناك اتفاق امني وهناك تنسيق امني لم ينقطع، وهناك اتفاق في الشؤون المدنية وهناك تنسيق في هذا المجال، أيضا لم ينقطع، وهناك اتفاق اقتصادي فلماذا ليس هناك تنسيق اقتصادي لتسيير الأمور اليومية في الجانب الاقتصادي كما في الجوانب الأخرى".

ومن المقرر أن يفتتح المؤتمر رئيس الوزراء، ويستمر يوما واحدا، وتتوزع فعالياته على أربع جلسات، تتناول الأولى التحديات العامة أمام الاقتصاد الفلسطيني، فيما تناقش الثانية بيئة الأعمال، والثالثة حول القطاعات الإنتاجية، وأخيرا البنية التحتية.