يبدو أن الانتخابات المحلية التي يتم الإعداد لإجرائها في فلسطين، في الثامن من تشرين الأول القادم، تهدف ليس فقط إلى تجديد حيوية المجتمع الفلسطيني، بل إلى إرسال إشارات إلى وحدة الوطن، المنقسم على ذاته منذ نحو عشر سنوات، فضلاً عن توفير مدخل لتحقيق الوحدة السياسية للوطن، بعد تحقيق الوحدة المجتمعية.
إلى أي مدى يمكن التوقع أو ضمانة أن يتحقق هذا الأمر؟ لا أحد يمكنه أن يؤكد أو يتوقع تماماً، ولكن ما يمكن قوله، هو: إن صاحب أو أصحاب القرار يتخذه أو يتخذونه، ويتوكلون على الله، فإن جاءت النتائج كما يجب، فبركة، وإن جاءت أقل، فيكفيه أو يكفيهم شرف المحاولة، ولا أحد يدعي أنه قد توضأ وضمن الجنة!
أما كيف خطّط أو توقع متخذ القرار، أن يساهم إجراء الانتخابات المحلية في توحيد المنقسم الفلسطيني، فذلك ما يمكن لنا أن نخوض فيه بالقول: إنه واستناداً إلى أن نتائج الانتخابات المحلية ستشير إلى حجم القوى، وستكشف عن المستجد في الاتجاه العام، فإنها ستساهم في إضفاء "واقعية سياسية ما" على قادة القوى والفصائل، التي ما زال معظمها يتوهم بأنه ما زال يحوز على تأييد الشارع، أو أنه ما زال يمتلك الشرعية الانتخابية أو الشعبية استناداً لمعطيات مضت عليها أعوام وأعوام، أو استناداً إلى أوهام أو ادعاءات أو ما شابه.
كذلك فإن إجراء الانتخابات يحقق توازناً نفسياً عاماً لشعب حيوي وشاب، يدفع به الفراغ السياسي إلى الأقدام على أفعال قد لا يمكن السيطرة عليها أو حتى توقعها، وهي تبث أملاً ما في أوساط الشعب عامة، والذي مل من الانتظار والجلوس إلى جانب الحائط، واضعاً كفه على خده، ينتظر "فرج الله"، وهو يرى احتلالاً يعربد كل يوم، وقيادة وطنية / إسلامية منشغلة بخلافاتها وصراعاتها، فضلاً عن "ترهلها" وبطء استجابتها لما يتطلبه الكفاح اليومي الدؤوب من مثابرة وحيوية واستعداد للتضحية الشخصية.
كما أن إجراء الانتخابات المحلية يمنح ضمانة للقوى بالتواجد على الأرض، حتى في حال تسليم السلطة السياسية "بالكامل" لأحد قطبي المعادلة السياسية الداخلية أو لكليهما، ونظن أن إجراء الانتخابات المحلية، يطمئن حركة "حماس" بالذات، وهي مثلها مثل الحركات الإخوانية، إن كان في الأردن أو مناطق الـ 48، اكتفت لسنوات طويلة بالسيطرة على الحكم المحلي، وغض النظر عن تفرد الآخرين بالحكم السياسي، خاصة كونها تظن أنها ستحقق الفوز في الضفة الغربية، حيث المزاج الشعبي العام يميل دائماً لمعارضة الحكم، وهي تحتاج هذا الحكم المحلي لتحمي كوادرها وعناصرها من أمن السلطة، وحتى من الاعتقال الإسرائيلي أو على أقل تقدير توفير حماية لهم من خلال وجودهم كقيادات محلية، أو من خلال القدرة عبر قيادة المجالس المحلية للقيام بالاحتجاجات اللازمة لمواجهة أي اعتقالات لاحقة.
وفي كل الأحوال، إن الانتخابات المحلية ستكون بمثابة "بروفة" على الانتخابات العامة لاحقاً، وعلى طريق إجرائها، يتم اختبار أكثر من محاولة لحل الخلافات أو الصراعات الداخلية.
أول هذه الخلافات هو ما يجري داخل "فتح"، فرغم قرارات اللجنة المركزية للحركة بفصل النائب محمد دحلان وعدد من أنصاره، إلا أنهم قرروا دعم قوائم الحركة، رغم أنهم لم يشاركوا في اختيارها، مرسلين رسالة داخلية واضحة، وهي أنهم مع قيادة الحركة ومع قوائمها ضد منافسيها، بهدف فوزها، وتجنب تكرار ما حدث عام 2006.
هذا يفتح الباب واسعاً أمام المصالحة داخل الحركة، بل ويقال: إن قرار مركزية "فتح" بالترحيب بالتلاحم الفتحاوي على مستوى القاعدة، حيث تقدمت قوائم واحدة تمثل الحركة في الانتخابات (في إشارة إلى موقف أبناء حركتهم الذين يعتبرونهم خارجين عن الموقف القيادي) والذي قوبل بترحيب أردني / مصري، يؤكد وجود خارطة طريق عربية، تقودها مصر مع الأردن، والإمارات والسعودية، لإجراء مصالحة داخل "فتح" ومن ثم بين "فتح" و"حماس"، بهدف تقوية الوضع الداخلي الفلسطيني، ومن ثم لإجراء الضغط على إسرائيل لإتمام السلام مع الفلسطينيين، استناداً للمبادرة العربية والمبادرة الفرنسية، حيث إن تحقيق هذا الأمر خلال الأشهر القليلة القادمة، حتى نهاية العام، يعني محاولة ملء هذا الوقت الذي يعتبر ميتاً بالنظر للانتخابات الرئاسية الأميركية، فحتى إذا ما تم انتخاب رئيس أميركي جديد، وجد أن الوضع الفلسطيني والعربي جاهزان تماماً، ليس لإجراء مفاوضات مع إسرائيل وحسب، بل ولتوقيع اتفاق سلام شامل معها، وبما يجعل من دول الاعتدال العربي محوراً إقليمياً مقرراً فيما يخص كل ملفات المنطقة، وليس في الملف الفلسطيني وحسب.