في الاونة الاخير طرح العديد من القادة واصحاب الرأي اوراق عمل للخروج من الازمة العاصفة بالساحة الفلسطينية. شاب العديد منها خلط غير متعمد بين البرنامج السياسي واليات وادوات العمل واشكال النضال. مما فرض إجراء مراجعة موضوعية بهدف تصويب او لفت نظر من ساهم في إغناء الحوار الدائر في الساحة الوطنية.
لا استهدف هنا مناقشة او تسجيل ملاحظات لا سلبا او ايجابا على اوراق العمل، إنما محاولة الاسهام في إثراء الحوار حول المفاهيم، لان ذلك يساعد لاحقا الجميع في إزالة الالتباس غير المقصود، والتركيز على جوهر ومحتوى البرنامج السياسي.
وساحرص على الاجتهاد مستلهما من نبع الخبرة النظرية الفكرية الذاتية في تحديد ماهية البرنامج، ولن استعين باجتهادات المفكرين، الذين أغنوا وسلحوا القوى والاحزاب والتحالفات في رسم وصياغة برامج عملهم.
إذا البرنامج السياسي، هو تحديد الحزب او القوة السياسية او التحالف الوطني او القومي او الاممي لما يصبوا هذا او ذاك من القوى بلوغه وتحقيقه سياسيا في مرحلة معينة. وهناك برامج ساسية تكتيكية واخرى إستراتيجية. ولا يضيف المرء جديدا، حين يذكر كل المعنيين في الساحة الفلسطينية، بأن برنامج النقاط العشر، الذي اقره المجلس الوطني الفلسطيني في 1974، إتسم بالبعدين التكتيكي والاستراتيجي، بتعبير أدق كان بمثابة بلوغ تلك النقاط هدفا تكتيكيا بمعايير الاهداف الفلسطينية، البعيدة آنذاك، التي طرحت مع تأسيس القوى السياسية في فلسطين بعد نكبة الشعب في العام 1948. واتسم بالطابع إلاستراتيجي من خلال الاهداف المراد تحقيقها في مرحلة معينة من الكفاح. وفي ظروف النضال الوطني بعد المجلس الوطني ال19 في الجزائر عام 1988 اصبحت النقاط العشر وما أشتق منها هدفا إستراتيجيا تعمل القوى الفلسطينية المنضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية على تحقيقه.
كما ان البرامج الحزبية والائتلافية في مرحلة بعينها بين مؤتمرين او لحظتين سياسيتين، تعتبر برامج تكتيكية، تخدم بلوغ الهدف الاستراتيجي الاعم والاشمل. على سبيل المثال، تحقيق اية اهداف سياسية في النطاق الوطني او عبر المنابر العربية والاقليمية او الاممية كعضوية دولة فلسطين في الامم المتحدة او إنتزاع اي قرار يدين الاستعمار الاسرائيلي او الحصول على إعترافات دول جديدة بدولة فلسطين ... إلخ من الاهداف الشبيهة، هي بمثابة اهداف تكتيكية. ونموذج آخر على الاهداف التكتيكية، كهدف المصالحة الوطنية، وإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، هو هدف تكتيكي وليس إستراتيجي، لان ظاهرة الانقلاب الحمساوية على الشرعية، ظاهرة غير أصيلة، وهي طارئة في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني. لكنها قد تتحول في حال تجذرها وعدم تمكن القوى السياسية، التي تمثل المشروع الوطني من إستعادة الوحدة إلى هدف إستراتيجي لاحقا. لان جملة التعقيدات والمثالب والاخطار، التي تهدد النسيج الوطني تصبح ذات تداعيات تستهدف المشروع الوطني برمته، ولا تعود تقتصر الاخطار على إستعادة القطاع لحاضنة الشرعية، بل يطال عندئذ النسيج الوطني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والقانوني والاهداف الوطنية الاستراتيجية.
هذه وغيرها من الاهداف، إن كانت تكتيكية او إستراتيجية يتم صياغ ورقة عمل سياسية برنامجية لما يفترض تحقيقه خلال مرحلة بعينها او مجموع مراحل. وفي إطار التحديد للبرنامج السياسي التكتيكي يتم الربط الجدلي بينه وبين الهدف الاستراتيجي البعيد. لان بوصلة الكفاح الوطني تبقى مسلطة على الهدف الاستراتيجي، ولا يجوز لها الحياد عنه او غض النظر عنه بين لحظة واخرى. لانه الناظم الاساس للكفاح الوطني التحرري والبنائي للشعب الفلسطيني. وبعد تحديد هذا البرنامج او ذاك، يتم التأكيد على الاداة الوطنية الحاملة للاهداف، وعمليا منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني، هي الاداة الوطنية الجامعة للكفاح الوطني. واما الاليات واساليب النضال في هذه المرحلة او تلك، فيجري تحديدها والاتفاق عليها بين مجموع القوى الوطنية، وذلك لضبط إيقاع العملية الكفاحية وفق معايير وضوابط جامعة للشعب والقوى والقيادة. لان غياب الرؤية المشتركة للاساليب واشكال النضال، يهدد المشروع السياسي، ويقدم خدمات مجانية لقوى الاعداء. الامر الذي يفرض الاتفاق عليها وضبط إيقاعها إرتباطا برؤية القيادة الشرعية للشعب.