«متى سنخرج من هذا الكابوس؟!» التفت هذا الصحافي إلى زميله متسائلا بضجر لا يخلو من ألم، على الواقع والمهنة معا. لم يكن صاحبنا يقصد سوى الأوضاع العربية الحالية من سوريا إلى اليمن إلى ليبيا إلى العراق، لقد ملّها إلى أقصى حد، أخبارها هي نفسها تقريبا منذ خمس سنوات و أكثر بحيث بات يشعر أنه و زملاءه، مهما اختلفت مؤسساتهم وتوجهاتها، قد علقوا جميعا في دوّامة درامية: أخبار اليوم هي نفسها أخبار البارحة وهي بالتأكيد أخبار الغد!!.
في سوريا، لم يعد العشرون قتيلا أو خمسون أو مائة يوميا يعني شيئا و لا حتى أكثر من ذلك. طبيعي جدا أن يقتل السوري يوميا، ما هو غير طبيعي أنه ما زال حيا !! لا يهم إن قتلته براميل متفجرة، بخْسةُ التكلفة كما أشاد بها أحدهم ذات يوم (!!) أو قنابل طائرات روسية، لا يهم كذلك إن استعمل النظام الكيمياوي أو النابالم و غيره أو كان الضحايا من الأطفال الصغار، لا يهم إن أصابت السوريين قذائف المعارضة المسلحة، مع أنها لا تقاس أبدا أو تقارن بما سبق. لا يهم إن التحقت تركيا بمن سبقها في التدخل هناك، لا يهم أيضا إن كان القاتل قادما من إيران أو لبنان أو أفغانستان أو العراق أو باكستان، ولا يهم كذلك إن كان القاتل أو المقتول من تونس أو المغرب أو الخليج أو أوروبا. المهم على الإطلاق، وقبل كل ذلك و بعده، أن يبقى بشار الأسد رئيسا، و أن يستمر لافروف وكيري في مشاورت لا تنتهي، وأن يستمر ديمستورا في اتصالات لا تثمر شيئا، ويستمر بان كي مون في الإعراب عن قلق لا ينضب.
في اليمن، تقدم الحوثيون وقوات صالح…تراجع الحوثيون وقوات صالح، تقدم الجيش الوطني و المقاومة الشعبية… تراجع الجيش الوطني والمقاومة الوطنية، سقط عشرات المدنيين في قصف للحوثيين وصالح… سقط عشرات آخرون في قصف لطائرات التحالف العربي، دخل هؤلاء هذه القرية… خرج هؤلاء من هذه القرية، سيطر هؤلاء على الطريق الرابط بين كذا و كذا… خسر أولئك الطريق الرابط بين كذا و كذا، اشتد الخناق على تعز… بدأ فك الحصار عن تعز!!. كل ذلك لم يعد يعني شيئا، المهم أن يبقى اليمن قابعا بثبات في قاع التخلف وأن يستمر الرئيس عبد ربه منصور هادي في الإقامة في الرياض و في طحن قواعد اللغة العربية كلما تحدث، و أن يبقى علي عبد الله صالح في سياسة كيد الحماوات و إخراج اللسان لإغاظة الجيران. المهم كذلك، أن تستمر منظمات حقوق الانسان في إصدار تقاريرها عن الأوضاع الانسانية المزرية هناك وأن يخرج محمد العسيري لينفي هذا ويحقق في ذاك، وأن يستمر جون كيري بين فترة وأخرى في القدوم إلى المنطقة ليجتمع بوزراء الخارجية الخليجيين، و أن تستمر الدول الــ 18 الراعية للتسوية المفقودة في إصدار البيانات أحيانا، وأن يستمر مجلس الأمن في تجاهل الاستخفاف بقراراته وفق الفصل السابع. و الأهم، قبل ذلك و بعده، أن يستمر ولد الشيخ أحمد في مساعيه و لقاءاته إن لم يكن في الكويت ففي غيرها.
في ليبيــــا، المسميات كثيرة و الحال واحد، «البنيان المرصوص»، «عملية الكرامة»، ثوار بنغازي»، «داعش»، حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، البرلمان في طبرق، جماعة حفتر، قوات حماية المنشآت النفطية. هذا يضرب ذاك وهذا يناكف ذاك مع أن الكل يتحدث عن ضرورة طرد «داعش» حتى تستعيد البلاد عافيتها. حكومة معترف به دوليا لكنها عاجزة عن بسط سيطرتها وبرلمان معترف به كذلك لكن ارتضى لنفسه أن يبقى رهينة بيد رجل واحد هو خليفة حفتر فقرر ألا يمنح ثقته لهذه الحكومة الجديدة المنبثقة عن اتفاق دولي كبير، لم يأت إلا بشق الأنفس، إلا إذا عـُـدّل هذا الاتفاق ليرضيَ لواء متقاعدا و غير متقاعد يدعى خليفة حفتر. باختصار إما أن يكون حفتر أو لا تكون ليبيا. ضيق أفق وعدم مسؤولية و لي لذراع الدولة، يرعاه ويغذيه الجار و البعيد و سئم منه الجميع.
ما يزيد الأمر سوءا، جيش «الخبراء» و «المحللين» و «المختصين» و «المتابعين» هنا و هناك، لقد أصبحوا أكثر من الهم على القلب. كل يحلل على هواه أو هوى وسيلة الإعلام التي دعته. إفتح هذه القناة، أو تصفح هذه الجريدة، أو أدخل هذا الموقع الإلكتروني، وتابع هذا المحلل عن سوريا أو اليمن أو ليبيا ثم انتقل إلى قناة أو جريدة أو موقع غيرها فستجد كأن هؤلاء لا يتحدثون أبدا عن نفس البلد، على الإطلاق!!! التقديرات التي يقدمونها والأرقام و السيناريوهات و الأمثلة و الاستشهادات كلها على طرفي نقيض فتصاب إما بالحيرة أو العته، أو ربما تقرر مقاطعة عالم الأخبار وحتى عالم السياسة مرة واحدة، لأنك باختصار لم تعد تفقه شيئا أبدا!! ربما هذا ما فعله أغلب الناس اليوم. ربنا يفرجها!!