لا شك أن الانتخابات البلدية التي يجري على قدم وساق التحضير لإجرائها في الثامن من تشرين الأول القادم، تشكل بكل المعايير محطة مفصلية هامة نحو ما يمكن أن يتوقعه المرء من التطورات اللاحقة على المشهد الفلسطيني الداخلي.
سنتجاهل عند قصد التوقعات المتشائمة التي تتعلق بإمكانية إجراء الانتخابات في موعدها، أو تأجيلها، وسنتجاهل، أيضاً، الدوافع والأهداف التي وقفت وتقف وراء القرار الذي اختار هذا التوقيت لإجرائها في الضفة وغزة دون القدس، طالما أن الظروف التي أملت إجراءها في الضفة دون غزة عام 2012 لا تزال قائمة.
ينقلنا تجاهل هذين الأمرين إلى الحوار وفق فرضية أن الدوافع والأهداف إيجابية، وأنها تشكل تمريناً في الديمقراطية يمكن البناء عليه للذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات مجلس وطني، فهل ما يجري على أرض الواقع يولّد أملاً جديداً على أنقاض حالة اليأس والاحباط والألم التي يشعر بها المواطن في كل الأرض الفلسطينية؟
وهل يمكن لهذا التمرين الديمقراطي أن يشق طريقاً مختلفاً لتحقيق المصالحة بعد أن فشلت الحوارات والاتفاقيات والأوراق التي تم التوصل اليها منذ اتفاق القاهرة في أيار 2011؟
الصورة تبدو مقلوبة تماماً، إذ كيف لهذه الانتخابات أن تكون المحطة الأولى في سلسلة الانتخابات المطلوبة فيما عناصر القوة والسيطرة على الأرض في غزة، وفي الضفة لم تتغير مهما كانت نتائج الانتخابات.
لنفترض أن سلسلة الاستحقاقات الانتخابية قد جرت وبنجاح يقر به الجميع، فهل سنكون أمام رئيس ومجلس تشريعي ومؤسسات منتخبة، وحكومة قادرة على العمل في ظل استمرار معطيات القوة على الأرض؟ الجواب تقدمه تجربة حكومة الوفاق الوطني التي لم تتمكن من ممارسة مهماتها كاملة في قطاع غزة، مما يجعلها عملياً وواقعياً، حكومة للضفة الغربية فقط، وحكومة فصيل هو حركة فتح كما يصدر في خطاب حركة حماس، وكما تفيد الوقائع الملموسة التي لا تغطيها نشاطات بعض وزراء حكومة الوفاق المتواجدين في غزة.
في المشهد التحضيري للانتخابات ترصد جملة من الملاحظات السلبية التي تجعل من هذا التمرين تكريساً لواقع الانقسام وربما سبباً في تعميق هذا الانقسام من دون أن يجني المواطن المكاسب المتوقعة والمحتملة من وراء إجراء هذا التمرين.
أولاً، لم يعد يخفى على المواطن أن الحملات الانتخابية بشكل أو بآخر قد اندلعت قبل المواعيد التي حددتها وثيقة الشرف التي وقعت عليها الفصائل، ما يعد انتهاكاً صريحاً لقوانين العملية الانتخابية. هذا يعني أن وثيقة الشرف مهما كانت إيجابية ومحبوكة الصياغة، لا تشكل قيداً على أحد وأن التعامل معها، يتواصل مع ما هو معروف من تقاليد العمل السياسي التي تقوم على الفصائلية ومبدأ قل ما تشاء وأنا أعمل ما أشاء.
ثانياً، مبكراً اندلعت حملات التحريض، والاتهامات والاتهامات المتبادلة، على نحو كأنه يستهدف تعميق السلبية لدى المواطنين، وحثهم على عدم المشاركة، خاصة وأن الثقة مضروبة بين المواطن والنخبة السياسية، خصوصاً الفصائلية.
في الواقع تشكو الفصائل والقوائم الانتخابية، من تدخل الأجهزة الأمنية التي تتخذ طابع التهديد لبعض المرشحين أو العاملين في الدعاية الانتخابية. أو حتى خطف بعض هؤلاء، وتعريضهم للضرب المبرح وإلقائهم في الشوارع. أدى ذلك عملياً إلى انسحاب بعض القوائم في بعض المدن الفلسطينية الكبرى، وعزوف بعض المرشحين، وانسحاب بعضهم، الأمر الذي يؤسس لخطاب اتهامي صعب بعد إجراء الانتخابات. ويصبح السؤال: كيف يمكن للبلديات المنتخبة أن تعمل في خدمة المواطن في ظل اعتراضات قوية من الأطراف التي تمارس السلطة في غزة وفي الضفة.
ثالثاً، في بعض المدن الكبرى، تمتنع بعض الفصائل الأساسية عن تقديم قوائم انتخابية، وفي بعضها الآخر، لا توجد قوائم أصلاً. إذا انسحب هذا الحال على بلديات قروية فإن عدداً كبيراً منها، ستفوز فيها القوائم بالتزكية بسبب غياب التنافس. يمكن قبول هذا الوضع لو أن غياب القوائم الانتخابية وغياب المشاركة الفصائلية ناجم عن توافق وطني، أو عن قناعة لدى هؤلاء.
رابعاً، بروز الطابع العشائري بقوة في معظم إن لم يكن كل قوائم المرشحين، وذلك انعكاساً للسياسة والممارسة القبلية لعمل الفصائل خلال المرحلة السابقة.
ما الذي يمكن استنتاجه من هذا التمرين الذي لا تسعفنا كل ما تتيحه اللغة، والرغبة في صناعة الأمل، في أن نرى أو نخترع بعض الإيجابيات؟ في كل الأحوال المواطن هو الذي يتحمل مسؤولية كبيرة إزاء النتائج المحددة، إذ عليه أن يتدخل بقوة من خلال الذهاب إلى صناديق الاقتراع، حتى وإن كانت مواقف الفصائل لا تتيح لهذه الانتخابات أن تشكل استفتاءً، أو تنزع الشرعية عن أحد.