اتركي اسمك في البيت وترشحي

ريما كتانة نزال
حجم الخط

تحولت قضية حجب أسماء النساء من بعض القوائم الانتخابية إلى قضية رأي عام، والفضل يعود إلى تفاعل المؤسسات النسوية ووسائل الإعلام مع الحدث الصادم، كما استأثرت القضية وتداعياتها على اهتمام أوساط رفيعة المستوى في السلطة التنفيذية.
لا جديد تحت شمس المشهد العام وعلى التمييز الممارس بين الرجل والمرأة في تقسيم الأدوار الاجتماعية، وربط قضية مساواتها بما يُصطلح على تسميته الخصوصية الثقافية رغم تناقضاتها. المرأة نقطة الدفاع عن الشرف ونقطة انهياره، متناقضان يجتمعان في شخص واحد. ولا زال من يصر على شيطنة وأبلسة النساء منذ الأسطورة الأولى، غواية حواء وخروج آدم من الجنة.  
لم أستغرب الأمر، هذا جزء من تناقضات المشهد وازدواجيته، على المرأة الطموحة في الترشح للانتخابات المحلية ترك اسمها في البيت. عجب عجاب، توثيق اسم الزوجة كاملاً في عقد الزواج، وطمسه في بطاقة العرس، مكروه وعيب وخدش حياء العائلة. هي تُنسب له؛ حرمته وكريمته وزوجته وأمه حتى وفاته، يُعاد تنسيبه لها لحظة الدفن. استمرار التعريض والشكّ.
 أنصح نفسي دائما عدم التصادم مع استفزاز الشكل، بل أنصحها الذهاب مباشرة نحو المعنى والجوهر، نحو الفكر والموقف الذي أفرزه الشكل. حجب اسم بعض المرشحات من القوائم الانتخابية مجرد مؤشر لما هو أخطر وأعمق. ويعبِّر عن لسان حال المعترضين على مشاركة النساء في الحياة العامة، في مقاربة فاشلة لمقولة، ما أخذ بالقوة عن طريق "الكوتا"، يُستَرد مواربة بالقوة، اغتيال شخصية المرشحات المعنوية مبكراً.
بدون شك، أن هؤلاء يتجاهلون حقيقة باتت معروفة للقاصي والداني، أن مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية لم تأتِ على طبق من ذهب أو مِنّة من  أحد، بل انتزعتها المرأة من بوابة النضال الوطني الذي لم تتأخر المرأة عن الانخراط في معمعانه لحظة واحدة، ومن ثم تم أخذها بواسطة القانون في البيئة الاجتماعية المتراجعة تدريجيا دون حدود.
القوى المضادة لم تستسلم، وبالتالي تسعى بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة؛ لإفراغ الكوتا من مضمونها والحدّ من قدرتها على التغيير، علاوة على فشل من دعمها في اجتراح سياسات تسهم في اعتياد المجتمع على وجودها على طريق الاستغناء عنها.
 ولا اكشف سرا بالقول ان القوى المضادة  لمشاركة المرأة حاولت، بعد ان أُسقط بيدها وتم إقرار الكوتا، جعل مشاركة المرأة شكلية وسطحية كسحابة صيف تتبدد، ليسهل إلغاؤها في اللحظة المناسبة ولدى قبضهم على خناق المجتمع، فيصبح خيارهم التحكم بطبيعة المشاركة والحِّيز المسموح لها به. بدءاً من ألِف إعلان الاسم العيب؛ إلى ياء الترتيب في القائمة وترؤسها وإعاقة اندماجها وتبهيت أدائها وحرمانها من المعلومة والمعرفة التي تقويها واستثنائها من"الكوْلسة" ومداولات ما بين الاجتماعات. وعوضاً عن القيام بدورها المُناط بها، تواجَه بالحصار وقصقصة الأجنحة وإبقائها خجلة من وجودها واسمها وشيطنتهما، ساحرة وفاتنة وغبية، الحفاظ عليها مترددة مضطربة متسللة إلى مكان محظور ارتياده.
أتفهم تماما أنه ولدى نقل مركز ثقل أي عملية ذات أبعاد اجتماعية الى الفضاء العام والقاعدة، كالانتخابات، تستنفر القوى الاجتماعية التقليدية لضمان أن لا تفتح العملية على حراك يقود الى تحريك السواكن أمام رياح التغيير، الفَتحة التي قد تفلت فيها الأمور من سيطرتها على مقاليد الأمور؛ إلى الأبد! فماذا لدينا بالمقابل.
ولا أجد غرابة في القول انه ومع حالة الضعف والتداعي والإعياء الشديد الذي أصاب مختلف البنى الفلسطينية التي كانت تشكل مرجعية القرار، منظمة التحرير مروراً بالسلطة الفلسطينية وليس انتهاء بالأحزاب والفصائل السياسية، فان التحولات الاجتماعية الجارية تأتي على الضدّ من الوجهة والتوجهات التي حققها النظام السياسي ومرجعياته، والمزعج ان حالة التراجع الاجتماعي الظاهرة للعيان ليست هي الوحيدة، بل باتت سمة عامة تطال مختلف المجالات والميادين بما فيها الميدان الأخلاقي والقيَمي الذي يبدو فيه الخراب عاماً طاماً.
إن إنكار أسماء النساء أو الخجل منها؛ من قبل قوى وفعاليات مجتمعية تقليدية أطلت برأسها مجددا لتفرض برنامجها الرجعي الذي يحمل كل عوامل وعناصر التخلف الاجتماعي والإنساني وتفوح منه رائحة الميْز ضد المرأة، يُعبر عن إدراكها أن قوى التغيير والتقدم الاجتماعي باتت في خبر كان، الأمر الذي بات يدق ناقوس الخطر بضرورة النهوض والتوحد ضمن ائتلاف وطني اجتماعي تقدمي، على أساس برنامج تنويري متكامل ومنسجم مع بعضه ومع المرجعيات الوطنية والدولية، برنامج أساسه ومنطلقه المواطنة التي تضع جميع المواطنين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات دون مواربة.