الاسرار السوداء للمجزرة

e3c774f6-0639-4e9d-8839-471247b0969e
حجم الخط
 

حين نتحدث عن مجازر إسرائيل ضد ابناء شعبنا نستحضر حوالي 45 مجزرة ومذبحة نفذتها المنظمات الارهابية الصهيونية (الهاجاناة، البلماخ، إتسيل، الهشومير وليحي ) وجيش الموت الاسرائيلي، وتم توثيقها. غير ان الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. حيث يتم الكشف بين الفينة والاخرى عن مجازر ومذابح جديدة، ويتم الاعلان عن طرق واساليب وحشية في تنفيذ تلك المذابح الصهيونية على مدار السبعين عاما الماضية. وبالتالي الاستنتاج الواقعي الناجم عن عمليات الطرد والتهجير القسري لابناء الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه واراضيه عام النكبة الفلسطيني في 1948، قد يفوق لوحده عدد المجازر والمذابح المرتكبة والموثقة حتى الان بكثير. لان هندسة عمليات التهجير والطرد، كانت تتطلب إرتكاب مذبحة بين مجموعة قرى ومدن متجاورة لدب الرعب في قلوب الفلسطينيين. وكون القرى المهجرة والمدمرة تقدر بحوالي 530 قرية، فإن كل عشرة قرى وتجمعات سكنية فلسطينية، كانت تستدعي إرتكاب مجزرة على اقل تقدير في اوساطها لطرد ونفي العدد الاكبر من الفلسطينيين من ارض وطنهم الام، وتنفيذ الشعار الصهيوني الناظم للاستعمار الاحلالي والاجلائي على الارض الفلسطينية: "ارض بلا شعب ، لشعب بلا ارض!"

وكنموذج على ما يذكر المرء، فإن ما نشرته صحيفة "معاريف" الاسرائيلية اول امس عن "الاسرار الدفينة او السوداء" في عملية إغتصاب العصابات الصهيونية الارهابية لمدينة صفد وتهجير وطرد سكانها عام 1948 يدلل على الاستنتاج المنطقي للكم المروع والمهول من المجازر الوحشية لتلك العصابات ضد ابناء الشعب الفلسطيني. ففي الطريق إلى المدينة، التي كان يقطنها آنذاك احد عشر الف نسمة من الفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين بالاضافة ل1500 يهودي جزءا منهم فلسطينيين، قرر إيغال ألون رئيس "البلماخ"، الذي عين لاحتلال صفد، التي بدأت في الاول من آيار 1948، وأطلق على العملية إسم "يغال فيكوفتش تل حي"، وكانت المهمة الرئيسية للعملية في الطريق لصفد قرية عين الزيتون، التي تبعد حوالي كيلو متر واحد شمالي المدينة.

ووفق ابينوعام حداش، احد قادة قوات "البلماخ" آنذاك، الذي إعترف بالمجزرة بعد سبعين عاما من إرتكابها، فيقول "قادت وحدتي الكتيبة من جبل كنعان الى عين الزيتون." وطالب آلون من العصابات الاجرامية تنفيذ مذبحة إرهابية ضخمة، وقال إريد "هذه المرة ضجة كبيرة". وذلك لدب الرعب والهلع في قلوب اصحاب الارض الاصليين ليس في عين الزيتون وحدها، بل في مجمل القرى والمدينة الفلسطينية المحيطة بها. وبعد ان هرب من هرب نتيجة قصف القرية بالقذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة، تم القاء القبض على 56 مواطنا فلسطينيا من ابناء القرية، جمعوهم في ساحة القرية المركزية، تابع حداش قائلا "وصل إلي كلمان، وطلب مني الحضور على الفور لمسجد القرية، الذي تحول لمقر الكتيبة، واثناء السير التحق بنا إبراهام نرفن، وتوجهت إليه وسألته ما هي طبيعة  الاوضاع؟ رد: لقد تم صد الهجوم اللبناني على رموت نفتالي، ولم نعد بحاجة لاسرى. ويوجد لدينا 56 عربيا، القينا القبض عليهم، ولا يوجد لدينا لا مكان ولا حراس لاحتجازهم، خذهم إلى الاسفل وأقض عليهم". ويقول (حداش) انه رفض تنفيذ الامر، غير ان المجزرة نفذت في جبل كنعان، وتمت تصفيتهم في الوديان وأيديهم مكبلة بالاصفاد خلف ظهورهم، مثلما وصفت مجندة الكتيبة نتيبة بن يهودا في كتابها."

جاء الكشف عن المجزرة الجديدة وعدد ضحاياها على لسان ابينوعام حداش، احد قادة "البلماخ"، الذي بلغ من العمر تسعين عاما، وابدى الاستعداد لكشف أسرار ما حدث في حينه، رغم الصمت والتعمتيم طيلة العقود الماضية من قبل مؤسسات دولة التطهير العرقي الاسرائيلية. وهذا ما اشار له الدكتور اوري ميلشتاين، في التقرير الذي نشره، وبين فيه رفض جميع ضباط "البلماخ" الاعتراف بما إقترفته ايديهم من جرائم آنذاك. الوحيد، الذي ابدى الاستعداد لكشف الاسرار السوداء، هو حداش.

اهمية إعتراف ابينوعام حداش، هو توثيق المجزرة الجديدة وعدد ضحاياها، والبحث عبر الوسائل المختلفة عن المذابح الاسرائيلية غير المعلن عنها لتوثيقها ايضا، وفضح الوجه الفاشي والعنصري الاستعماري لدولة القتلة الاسرائيليين. ووضعها امام المؤسسات والجهات الدولية بدءا من الامم المتحدة مرورا بكل هيئاتها ذات الصلة وغيرها من المنابر الاممية المختصة لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة الاموات والاحياء امام الدنيا كلها، ومحاكمتهم على الملأ كقتلة.