محاولات إسرائيلية مستميتة للترويج للرواية الفاسدة، الرواية الصهيونية الاستعمارية والمزورة للتاريخ والحقائق. مضى سبعون عاما وقادة إسرائيل الكولونيالية ومؤسساتهم السياسية والتربوية والثقافية والاعلامية، تعمل لتحقيق هذا الهدف عبر إستخدامهم لاساليب تفتيتية مثل "فرق تسد" البريطاني، و"العصا والجزرة " ل"غسل الدماغ الفلسطيني العربي"، وإدخال تلك الحكاية النقيض للرواية الوطنية الفلسطينية. وآخر ما تفتقت عنه العقلية الاستعمارية الاسرائيلية، هي قيام بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة ، يرافقه نفتالي بينت، وزير التعليم، وكلاهما من غلاة اليمين المتطرف بزيارة لمدرسة فلسطينية في قرية طمرة الزعبية يوم الخميس الماضي مع بداية العام الدراسي الجديد، وتحدث مع تلاميذ الصف الاول الابتدائي باللغة العبرية، التي لم يفهمها الاطفال حتى بوجود مترجم وجوهر ما قاله :" أريدكم ان تتعلموا التاريخ، (اي تاريخ) تاريخ "الشعب اليهودي" وتاريخ جمهوركم"!؟ وتابع "اريدكم ان تتعلموا الحقيقة، التي تقول إن علينا العيش معا".! كيف؟ وعلى اي اساس؟ ووفق اي معايير؟ واضاف زعيم الائتلاف اليميني المتطرف الحاكم " واريدكم ان تكونوا مواطنين مخلصين ومندمجين في دولة إسرائيل. فهذه دولتكم." اما شريكه في الحكم بينت فزعم قائلا: " نرى بكل اولاد إسرائيل، يهودا وعربا وحريديم ودروز (لاحظوا التفريق بين ابناء الشعب الفلسطيني) كأنهم اولادنا."
وقبل تفنيد ما جاء في كلمة الصهاينة نتنياهو وبينت، تجدر الاشارة، إلى ان منطقة طمرة والطرق المحيطة بها من ظهر يوم الاربعاء امست ثكنة عسكرية حتى بعد انتهاء الزيارة الفاشلة؛ وقامت المدرسة بتوزيع الاعلام الاسرائيلية على تلاميذ المدرسة دون العلم الفلسطيني، وهذه اوامر وزارة المعارف الاسرائيلية؛ اللقاء بتلاميذ الصف الاول، الذين يتلمسوا طريقهم للحياة، هدف لتشويه معارفهم ووعيهم الوطني؛ التحدث باللغة العبرية واستخدام مترجم، افقد نتنياهو الرسالة الصهيونية الاستعمارية، التي اراد ايصالها للاطفال.
الاهم ما تتقدم، هو اولا مطالبة نتنياهو الاطفال الفلسطينيين العرب تعلم "التاريخ اليهودي". اي تاريخ الرواية الصهيونية النافية لتاريخ شعبهم العربي الفلسطيني، صاحب الارض والتاريخ والجغرافيا. وهو ما يتناقض مع تربيتهم ووعيهم الجنيني او لغسل ادمغتهم باكرا بهدف إستقبال الرواية الصهيونية، والتعامل "الايجابي" مع مرتكزاتها الاستعمارية؛ ثانيا اليهود كانوا ومازالوا اتباع الديانة اليهودية، ولم يكونوا يوما شعبا، ولن يكونوا يوما شعبا. وإسرائيل الاستعمارية، هي دولة كل سكانها بغض النظر عن دياناتهم وانتماءاتهم؛ ثالثا لاحظوا لم يطالب نتنياهو الاطفال بقراءة تاريخ شعبهم الفلسطيني، بل إستخدم تعبير تعلموا "تاريخ جمهوركم". وهو ما يعني عدم الاعتراف بالاقلية الفلسطينية، كاقلية قومية، ونسي او تناسى انهم اصحاب الارض الاصليين. وهو نفس التعبير، الذي كانت تستخدمه دولة الانتداب البريطاني قبل قيام إسرائيل "اليهود والسكان الاخرين"؛ رابعا يطالب الاطفال بالعيش معا" كيف؟ وعلى اي اساس؟ ووفق اي قانون؟ هل وفق قوانين ونظام الفصل العنصري ونظام التطهير العرقي؟ ام قانون نفي الرواية الوطنية الفلسطينية، وحرمان ابناء فلسطين من إحياء ذكرى نكبتهم ورفع اعلام وطنهم الام؟؛ خامسا كيف يريد نتنياهو من الفلسطينيين ان يكونوا مخلصين لدولة تطاردهم في مناماتهم وفي اعمالهم وافراحهم وحقولهم ومؤسساتهم ومدارسهم واحزابهم وقواهم السياسية والرياضية؟ وهل دولة يفتي حاخاماتها بعزل الفلسطينيين العرب، وعدم ركوب الحافلات معهم، وعدم تأجيرهم الشقق او بيعهم لها، ورفض السكن معهم يمكن الاخلاص لها؟ وهل دولة تعمل ليل نهار علىطرد الفلسطينيين من ارضهم ومدنهم داخل دولة اسرائيل، وابادة ابناء جلدتهم في الاراضي المحتلة عام 1967 يمكن الاخلاص لها؟ سادسا يقول لهم "هذه دولتكم"، نعم وبغض النظر عن طبيعة وجوهر دولة إسرائيل، فإنها دولتهم، ولكن هل هم متساوون مع اليهود الصهاينة في الحقوق والواجبات؟ هل تتعامل معهم كما تتعامل مع المستعمرين القادمين من دول العالم حتى لو جاؤوا بالامس، رغم انهم المتجذرون في الارض منذ الاف السنين؟ ان إسرائيل، دولة التطهير العرقي، دولة المستعمرين الصهاينة تعتبر الفلسطينيين مواطنيين من درجة ثالثة او رابعة؟؟! سابعا بينت كما ذكر آنفا، قسم الفلسطينيين العرب إلى "عرب ودروز" وفق المنطق الاستعماري القائم على مبدأ "فرقتسد"؛ ثامنا التلاميذ والطلاب الفلسطينيين، ليسوا اولادكم، ولن يكووا يوما كذلك، لانكم غزاة ومستعمرين، وترفضون مساواتهم بالطلاب الاسرائيليين؟ فكيف سيكونون ابناؤكم؟
هناك الف ومليون عنصر تمييز، فكل مظهر من مظاهر الحياة داخل الدولة الاسرائيلية الاستعمارية، هو مظهر تمييز وإخضاع للفلسطينيين، وإستباحة لحقوقهم وكراماتهم ومصالحهم وبيوتهم وثقافتهم ولغتهم. والنتيجة ان زيارة نتنياهو وبينت فاشلة ولم تنجح، ولن تنجح اي زيارة مشابهة لها، لانها تفتقد لابسط معايير النجاح. من يريد النجاح، عليه تحقيق المساواة، وتطبيق القانون الواحد، ومحاربة التمييز، والتعامل مع الرواية الفلسطينية كما هي، وعدم نفيها، وإلغاء كافة القوانين العنصرية، ومنح ابناء فلسطين في الاراضي المحتلة عام 1967 حقهم في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والقبول بخيار السلام والتعايش، عندئذ فقط يمكن إعادة النظر.