المقاطعة تهدد مستقبل إسرائيل

69
حجم الخط

بقلم: عيران سيسون /عن «هآرتس»
في أعقاب تصريحات رئيس الوزراء عن تنكره لتأييد اقامة دولة فلسطينية، أعلن البيت الابيض بانه سيراجع موقفه من المسيرة السياسية، ويهدد الفلسطينيون مرة اخرى بقطع التنسيق الأمني مع إسرائيل. ومنذ ما قبل الانتخابات، بعد توجه محمود عباس (ابو مازن) الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، قررت اسرائيل تجميد تحويل أموال الضرائب الى السلطة الفلسطينية رغم الخوف من أن يمس الامر باستقرار السلطة. وردا على ذلك قرر الفلسطينيون مقاطعة ست شركات غذاء اسرائيلية.
ظاهرا، لا ينبغي أن نعزو اهمية خاصة لهذا القرار. فقد تبنت السلطة الفلسطينية قرارا بمقاطعة المنتجات والخدمات من الموردين الاسرائيليين من «المناطق» منذ العام 2008. ولكن خليط سلسلة الاحداث هذه مع التصريحات الأخيرة لبنيامين نتنياهو بالنسبة لاقامة دولة فلسطينية من شأنه أن يؤدي بنا الى نقطة لا عودة تاريخية في كل ما يتعلق بقدرة اسرائيل على إبقاء نموذج الدولة اليهودية والديمقراطية.
لقد تبنى زعماء حركة BDS ، التي تقود الحملة الداعية الى فرض مقاطعة دولية على اسرائيل، تبنت بسرور القرار الفلسطيني بمقاطعة الشركات الاسرائيلية العامة في حدود الخط الاخضر ايضا. بل ان بعضهم اعرب عن رضاه من اعادة انتخاب نتنياهو بدعوى أن هكذا «انكشف الوجه الحقيقي» لاسرائيل. وتشكل BDSمظلة تتجمع تحتها هيئات ومنظمات «متطرفة» مناهضة لاسرائيل تعمل في الغرب، وتتطلع الى تصوير اسرائيل كدولة ابرتهايد. وقد تبنت الحركة لغة ليبرالية من اجل الدفع الى الامام بالمقاطعة الاقتصادية، الاكاديمية، والثقافية لاسرائيل. واحد اهدافها المعلنة هو تحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو الرمز السري لالغاء اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. يتباهى زعماء BDS بأنهم يوفرون أرضية واسعة للغاية للاحتجاج الاجتماعي في الضفة وفي قطاع غزة. غير أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في الضفة لم يؤيدوا حتى الان هذه الحركة أو فكرة المقاطعة الشاملة. وعملت الحركة بدون اسناد بل واحيانا بخلاف إرادة السلطة. عمر البرغوثي، الذي يعتبر مؤسسا للحركة، وان كان فلسطينيا في أصله، إلا ان في BDS لا يوجد سوى كمية قليلة من الزعماء والنشطاء الفلسطينيين. معظم المنظمات الفلسطينية التي تعرض نفسها كمؤيدة للحركة في موقعها على الانترنت، هي محافل وهمية لا تعمل الا «في فقاعة رام الله». ولهذا فلم تنجح BDS في تنظيم أي مظاهرة علنية بمشاركة أكثر من بضع مئات في الضفة وفي القطاع. وكان معظم المشاركين في هذه الاحداث هم نشطاء اوروبيون.
عندما قاد رئيس الوزراء الفلسطيني في العام 2008، سلام فياض، مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، ميز بين المقاطعة العامة – كتلك التي تدعو BDSالى فرضها، وبين مقاطعة المنتجات من «المناطق». كما أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، رد في السنة الماضية في مناسبتين على الاقل الدعوة للمقاطعة العامة لاسرائيل. ويعود أحد اسباب نقص شعبية الدعوة للمقاطعة الى أن الكثيرين في الضفة يفهمون بأن الامر من شأنه ان يلحق ضررا بالاقتصاد الفلسطيني. يعمل 12 ألف فلسطيني في شركات اسرائيلية في الضفة ويعيلون اكثر من 70 ألف فلسطيني. وفي حالة واحدة على الاقل هذه السنة أدى نقل مصنع اسرائيلي من الضفة الى الاراضي الاسرائيلية في أعقاب حملة دولية الى اقالة مئات الفلسطينيين. ولا تأبه BDSبمصير هؤلاء العمال الفلسطينيين، الذين يتلقون أجرا عاليا وشروطا اجتماعية محسنة مقارنة بما هو دارج في المشاريع الفلسطينية.
وكما قال اسحق رابين في حينه عن غزة، فان معظم الفلسطينيين كان يسرهم لو أن اسرائيل «غرقت في البحر». ومع ذلك، حتى الان قبل معظمهم اسرائيل كحقيقة قائمة وهم مستعدون ليقبلوا فكرة الدولتين. بعض زعماء الحركة، مثل عمر البرغوثي، يرفضون تماما فكرة الدولتين، بل أعربوا عن معارضة علنية لمبادرة عباس الحصول على اعتراف بدولة فلسطينية في الامم المتحدة.
تتعاظم في الفترة الاخيرة الدعوات، حتى في محيط عباس القريب، لحل السلطة. وهذه الدعوات، التي من شأنها أن تتعاظم في اعقاب الانتخابات وتصريحات نتنياهو، هي نتيجة فهم  ينتشر في اوساط الفلسطينيين بان دولة فلسطينية في مناطق الضفة لن تكون قابلة للعيش، بسبب التوزيع الجغرافي للمستوطنات والسيطرة الاسرائيلية في غلاف الضفة. ويساهم في هذا الميل ايضا الاختناق الاقتصادي الذي يعود أصله الى  القرار الاسرائيلي بعدم تحويل الاموال الى السلطة، وعدم رغبة نتنياهو السماح باقامة دولة فلسطينية. ولهذا فان العديد من الفلسطينيين يدعون الى وقف الخطوات لانهاء الاحتلال وقيادة مقاطعة عامة ضد اسرائيل الى أن ينبذها العالم.
ان كيانا سياسيا فلسطينيا قابلا للعيش هو كيان حيوي لمواصلة وجود دولة يهودية وديمقراطية. وتصريحات نتنياهو، وعدم تحويل الاموال للفلسطينيين، واستمرار مشروع المستوطنات يهدد إسرائيل وجوديا. ان القرار المبدئي الذي اتخذه م.ت.ف في آذار الماضي، لوقف التنسيق الامني مع اسرائيل، والتبني الرسمي للمقاطعة العامة ضدها من شأنه ان يبشر بتغيير في الموقف الفلسطيني من مبدأ الدولتين والانتقال الى المطلب باقامة دولة واحدة في كل اراضي «فلسطين التاريخية». قد تكون تصريحات نتنياهو أدت بنا الى الانتقال الى نقطة اللاعودة.