هاتف أحد معارفي من الوسط الأصولي في نهاية الاسبوع اسرائيل كاتس. انت تُعرف كأحد السياسيين الاقرب الى الأصوليين، قال. كيف تحولت فجأة لكبير مدنسي السبت؟
هذا ليس أنا، قال كاتس، بل هو. بعد قليل سيقول إن القطارات تدفقت بجموعها، مثلما قال عن الباصات.
يوم أحد بلا قطار هو يوم نصف ضائع لـ 150 الف اسرائيلي ممن اضطروا، أول من امس، الى هذه الخدمة ولمئة الف فأكثر آخرين ممن علقوا في ازمات السير. مثل هذه الضربات يمكن للاسرائيليين أن يحتملوها. والدليل هو أنهم استوعبوا اجراءات عرقلة العمل التي كان يعلن عنها عاملو القطار بين الحين والآخر. ما أثار حفيظتهم، أول من أمس، لم يتلخص في القطارات التي لم تصل، فقد عرفوا من المذنب ولماذا.
عندما التقى نتنياهو مع كبار رجالات وسائل الاعلام الاصولية، قبل اسبوعين، سأله احد الصحافيين عن تشغيل القطار في السبت. سكت نتنياهو حرجا. وأخذ المشاركون الانطباع بان الموضوع، الذي كان يعصف في ذاك الوقت بشارعهم، غير معروف له، او معروف له بغموض.
رئيس الوزراء غير ملزم بأن يعرف كل عاصفة تنشب بين النهر والبحر. فمن اجل هذا تضع الدولة تحت تصرفه طاقم عاملين ضخما، في مكتب رئيس الوزراء، وفي قيادة الأمن القومي. في ديوان رئيس الوزراء وفي الاقسام الاخرى من الحكومة ممن يعملون من أجله يتطلعون الى رئيس الوزراء، ولكنه لا يعيد النظر اليهم. عندما كان نتنياهو رئيس المعارضة في بداية التسعينيات خصصت الكنيست له مكتبا من غرفتين. فقرر النزول في الغرفة المتقدمة، وأنزل الموظفين في الغرفة الكبيرة. وشرح طريقة ادارته بقوله "احتاج الى كثير من السكرتيرات، ولا أحتاج الى المساعدين".
وبالفعل، عمل معه عشرات إم لم يكن المئات من المساعدين في سنوات العمل السياسي. معظمهم اختارتهم لجنة تعيين من رجل واحد، وللدقة امرأة واحدة. الاكفاء لم يقبلوا، او طردوا بسرعة: اما الاكفاء أقل فطردوا بعدهم. المكتب الحالي هو الادنى مستوى من كل مكاتب رؤساء الوزراء الذين أدوا مهامهم هناك. نتنياهو لاعب فردي كفؤ، ولكنه غير قادر على إدارة فرقة موسيقية.
"هذه أزمة زائدة"، قال نتنياهو في جلسة الحكومة، أول من أمس. بالفعل، ازمة زائدة. لو كان لرئيس الوزراء مساعدون أذكياء، مجربون، ذوو مصداقية، لما اصبحت أزمة.
لقد كانت الساحة السياسية مشغولة، أول من امس، بمسألة ماذا سيكون مصير الوزير اسرائيل كاتس، هل سيقال، ام سيجبر على الاستقالة، هل سيرمم علاقاته مع نتنياهو. بعض الوزراء ضربوا عينهم على وزارة المواصلات كثيرة المليارات. مثل جارات الارملة في "زوربا اليوناني"، سعوا ليضعوا يدهم على ممتلكات كاتس بينما كان حيا. فهموا بانه حتى لو نجا كاتس، هذا الاسبوع، فان نهاية ولايته قريبة. ينجح نتنياهو في التعايش مع الخصوم السياسيين بشرطين: إما أن يكونوا ينتمون لاحزاب أخرى، أو ان يموتوا. والتأبين الذي سيكتبه عن اسرائيل كاتس سيفطر القلوب. المشكلة هي أن كاتس لا يوافق على الموت.
مع كل الاحترام، ما كان ينبغي لمصير الوزير كاتس ان يثير انفعال الشعب في اسرائيل. ما كان ينبغي أن يثير انفعاله هو الاضرار على امدى البعيد. نائب واحد، هو موشيه جفني، قفز على منشور كاذب، مضلل، في وسائل الاعلام الاصولية. هكذا هو جفني: قافز. أصبحت الموجة تسونامي، الى أن امر الرابي من غور ليتسمن بان يبلغ نتنياهو إما أن تستسلم أو نترك الحكومة.
تهدد هذه المسيرة بانهيار اساس الحياة المشتركة في اسرائيل. فالميثاق غير المكتوب بين الاصوليين، المتدينين والعلمانيين، يقوم على أساس اغماض العيون. أنتم العلمانيون تديرون الدولة حسب فهمكم؛ نحن نقول لم نرَ. اذا لم تدنسوا سبتنا، في احيائنا، فلن نتدخل في سبتكم. هذا هو المعنى الحقيقي لما يسميه السياسيون "الوضع الراهن". في معظم الحالات ليس الاصوليون هم الذين فرضوا دينهم على العلمانيين بل المفدال (حزب المتدينين الوطنيين).
ان ثقافة الشبكات الاجتماعية تضعضع هذا الميثاق: يطل واحد من وراء الباب، يصور، يفسر، آخرون ينقلون، يضخمون، والسياسيون والحاخامون يضطرون للصعود الى الموجة. من يعتقد أن هذه المسيرة ستنتهي في القطار أو في المواصلات يعيش في فيلم. لن يبعد اليوم الذي يضطر فيه وزير الصحة ليتسمان ليجيب لماذا جرى عمل في المستشفى في السبت أو لماذا قطعوا عن مريض ميؤوس منه الاجهزة أو أقروا اجهاضا لفتاة حملت بغير رغبتها. تحت إدارة ليتسمان يدنس السبت ويغض النظر عن فرائض الفقه مثلما هو الحال تحت إدارة كاتس. ماذا سيفعل ليتسمان عندما ينتقل الشارع الاصولي من القطار الى الجهاز الصحي؟
ليس فقط ليتسمان: ماذا سيفعل وزير الاتصالات نتنياهو عندما يسأل الشارع الاصولي لماذا تبث مؤسسة البث العام في السبت؛ ماذا ستفعل وزيرة الرياضة ريغيف، المحافظة على السبت الشهيرة من ريو دي جنيرو، حين يتذكر الاصوليون بأنهم يلعبون هنا كرة القدم في السبت، بتمويل حكومي وعام. لماذا يسمح لكرة القدم، ولكن يمنع تركيب سكة حديد للقطار، مهما كان الضرر؟ لماذا مسموح تشغيل العمال في المسارع ودور السينما، ولكن ممنوع تشغيل العمال في محطة عزرئيلي؟
بكلمات اخرى، ما يبدأ بالقطار لن ينتهي بالقطار. أبدا. والمسؤولية ملقاة فقط على شخص واحد.